الخامس : يدلّ قوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) على أنّ اتّباع الهوى من أشدّ الرذائل تأثيرا على النفس في إبعادها عن الواقع وأكبر الموانع من الوصول إلى المقامات العالية ، وتظهر أهميّته من أهميّة الفضيلة الي ذكرها عزوجل في صدر الآية المباركة.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) أنّ المعصية الّتي يمكن أن تتحقّق في الشهادة هي التحريف والتبديل والشهادة بالباطل ، وما ذكره عزوجل آنفا من الشهادة لغير الله وجرّ النفع والجور فيها أو الإعراض عنها بالكليّة بأن يكتمها ولا يؤدّيها ، وهذا شاهد على ما ذكرناه في أحد مباحثنا السابقة من تناسب المعصية مع الأفعال والأقوال ، فإنّ كلّ معصية تتناسب مع الموضوع الّذي وقعت فيه المعصية ، ففي الأقوال مثلا الكذب والبهتان والزور ونحو ذلك ، كما أنّ في كلّ جارحة لها معصيتها ، ففي العين النظر إلى المحرّم ، وفي اليد السرقة والخيانة في الأمانة ولمس الأجنبيّة ، وفي الرجل السعي إلى الحرام وهكذا ، فالمعصية في الشهادة هي الّتي فيها بالمعنى الأعمّ والإعراض عنها.
وعلى هذا ، يمكن أن يكون قوله تعالى : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) تفسيرا لهذه الآية المباركة ـ وهي إجمال لصدرها ، وهي تدلّ على كونها في مقام تعداد معاصي الشهادة ـ قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) الظاهر في التهديد والتوبيخ لمن يجور في الشهادة.
السابع : عموم قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) يشمل جميع أنحاء الإيمان إيمان العيان ، وإيمان البرهان ، والإيمان العيني ، وتجريد الإيمان لله تعالى وتخليصه من كلّ أنحاء الشرك الجلي والخفي وجميع الشبهات والاعتراضات والإيمان بالمجموع ، وإيمان التسليم والتفويض والإيمان التفصيلي ، فإنّ الإيمان له مراتب وكلّ فرد يستفيد من الآية الكريمة حسب استعداده وما يفاض عليه من المبدأ الفيّاض جلّ جلاله.