يكن بعضها خارجة عن قانون الأسباب والمسبّبات ، وإن كانت بظاهرها فاقدة لها إلّا أن الأسباب تارة : تكون واضحة ومعروفة ، واخرى : تكون خفيّة وغير معلومة لأحد إلّا من علّمه عزوجل ، فيجريها الرسول أو الولي بالسبب الّذي علّمه عزوجل به. والبحث نفيس نذكره في الموضع المناسب إن اقتضى الحال إن شاء الله تعالى وساعدنا الزمان بعد ما نستمد منه العون والتوفيق.
وذكر جمع من المفسّرين أنّ المراد من الروح هو النفخة ، أي : أنّه خلق بنفخ الملك المعبّر عنه بالروح ، وروح القدس في مريم عليهاالسلام بأمره سبحانه وتعالى ، وقد جاء تسمية النفخ روحا في كلامهم ، كما قال ذو الرمة في إضرام النار :
فقلت له ارفعها إليك وأحيها |
|
بروحك واجعلها لها فيئة قدرا |
وقالوا : إنّ الّذي يحيا به الإنسان مأخوذ من اسم الريح ، وإنّ أصل الريح روح (بالكسر) فقلبت الواو ياء لتناسب الكسرة ، وجمعه أرواح ورياح ، وإن كان أصل هذه الرواح.
ولكنّه ليس بشيء ، فإنّ الروح وإن استعمل في غير المقام في النفخ ، لكن لا يصير دليلا على كونه في المقام كذلك ، لا سيما بعد دلالة القرائن الكثيرة على أنّ المراد به غير ذلك ، فإنّ العطف بين الأمرين في المقام يقتضي المغايرة بينهما.
والحقّ أن يقال : إنّ كلّ واحد من الأمرين يمثّل جانبا من جوانب هذا النبي العظيم الّذي ظهرت آيات الله تعالى فيه من قبل ولادته الى حين رفعه الى السماء وبعده أيضا ، فإنّ الكلمة الّتي ألقاها الى مريم عليهاالسلام من دون أب ، وأمّا الجانب الروحاني منه عليهالسلام فيكون في أنّه خلق بروح منه ، أي بأمر صادر منه عزوجل ، وهو أمر قدسي وسرّ إلهي يفيضه الله تعالى على من يشاء من خلقه ويختصّ به بعض عباده المخلصين ، منهم آدم عليهالسلام أبو البشر كما عرفت ؛ ولذا كان خلق كلّ واحد منهما خلاف السنّة في خلق الناس ، قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٩] ،