قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
جملة استينافيّة مسوقة للتعليل والاحتجاج على وحدانيّة تعالى ونفي الولديّة منه وتنزّهه عن مجانسة مخلوقاته ، فإنّ كلّ ما في السموات والأرض مخلوق له ومملوك له في أصل ذاته وجميع آثاره ، فتدلّ على وحدانيّته ومظاهر صفاته ، فهو القيوم على جميعها ، ولا يمكن أن يكون الأثر مماثلا للمؤثّر ليتّخذ صاحبة وولدا ـ وقاعدة : «سنخيّة العلّة مع المعلول» المبحوث عنها في الفلسفة شيء آخر ولا ربط لها بالمماثلة ، كما هو واضح.
قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).
دليل آخر على ثبوت جميع ما ورد في الآيات السابقة. والوكيل من أسمائه الحسنى ، أي : أنّه الولي لما سواه والحافظ له ، يدبّر أمره ويرعى شؤونه ، فهو الكافي ولا يكفي منه غيره ، وأنّه يهديكم الى ما هو خير لكم ويدعوكم الى ما يسعدكم في الدنيا والآخرة ، ويراقب أعمالكم وأقوالكم فيحاسبكم عليها ، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا.
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ).
تقرير لما سبق من التنزيه ، وتأكيد على نفي الوهيّة المسيح مطلقا ولو فرض كونه ولدا له ، وقد أخذ عزوجل على النصارى بما هو معترف به لديهم ، فإنّهم لا ينكرون كون المسيح عبدا لله ولن يستنكف عن عبادته ، كما صرّحت به الأناجيل الدائرة عندهم أنّه كان يعبد الله تعالى.
منها : ما نقلناه في البحث السابق عن مرقس : «قال يسوع : إن نفسي حزينة حتّى الموت ، ثمّ خرّ على وجهه يصلّي لله تعالى ، وقال : أيّها الأب كلّ شيء بقدرتك ، أخّر عني هذا الكأس ، لكن كما تريد لا كما أريد ، ثمّ خرّ على وجهه يصلّي لله تعالى» ، ولا وجه لعبادة الولد الّذي يكون من سنخ الوالد الّذي يكون إلها ، ولا معنى لعبادة الشيء لنفسه أو عبادة أحد الثلاثة لثالثها الّذي يكون هو المجموع ، وكلّ واحد هو إله كما عرفت ، وهذا من أحسن الحجج وأتمّها ، حيث يذكر في