وذكر بعض أنّ الاستكبار هو الاستنكاف ، ولكنه ليس بشيء ، فإنّ الاستكبار دون الاستنكاف كما عرفت آنفا ، مع أنّ الأخير يستعمل حيث لا استحقاق مطلقا ، بخلاف التكبير ، فإنّه قد يكون باستحقاق كما هو في الله تعالى.
وكيف كان ، فالآية الشريفة في موضع التعليل لما سبق ، أي : كيف يستنكف المسيح بل الملائكة المقرّبون عن عبادته عزوجل؟! والحال أنّ من يستكبر عن عبادته ويرجع عنها أنفة وحمية فسيحشرهم إليه جميعا.
وإنّما ذكر سبحانه وتعالى الاستنكاف والاستكبار كليهما ؛ لاختلاف درجات العباد في العلم والجهل ، فيشمل جميع الأفراد ، سواء كان ترك العبادة عن استنكاف أم استكبار ، فإنّ الاستنكاف قد لا يوجب السخط الإلهي إذا لم يكن عن استكبار كما في الجهلاء والمستضعفين ، وأمّا الأنبياء والملائكة ، فإنّ استنكافهم لا يكون إلّا عن علم والتفات ، فيكون تركهم عن استكبار ، لكونهم عالمين بمقام ربّهم ؛ ولهذا اكتفى بذكر الاستنكاف فقط في المسيح والملائكة ولم يذكر الاستكبار ، وفي المقام ذكرهما معا ليشمل جميع عباده من الإنس والجن والملائكة.
قوله تعالى : (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً).
أي : فسيحشرهم الله تعالى إليه جميعا ، سواء أكانوا صالحين أم ظالمين وسيحاسبهم على أعمالهم ويجزون عليها ، والملائكة والمسيح يعلمون بذلك ، فيكون تركهم للعبادة عن استكبار ، فهذه الآية الشريفة تكون بيانا للآية المباركة السابقة.
أي : أنّ استنكافهم إنّما يكون عن علم ، فتدلّ على نفي ذلك بالكليّة عنهم ، فهذا تأكيد آخر على عبوديّتهم له تعالى.
قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
تفصيل بعد إجمال لبيان الجزاء المترتّب على كلّ واحد من الفريقين المستنكفين المستكبرين عن عبادته ، وغيرهم الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم يستنكفوا عن عبادة الله تعالى ، وإنّما قدّمهم تعظيما لجزائهم وتنويها بشرفهم.
قوله تعالى : (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ).