التوفية هي الاستيفاء تامّا من غير نقص. أي : يعطيهم أجورهم من غير أنّ ينقص منها شيئا أصلا ، جزاء لإيمانهم وأعمالهم الصالحة.
وإنّما عبّر عزوجل عن الجزاء بالأجر لبيان أنّ أعمالهم محفوظة لديه جلّت عظمته ، وقد استوفاها منهم تامّا ، فسيجدون عوضها عنده سبحانه وتعالى كذلك ، وهذا يدلّ على كمال عطفه ورعايته للمؤمنين.
قوله تعالى : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
فيزيد المؤمنين العاملين في أجورهم بتضعيفها أضعافا مضاعفة ؛ لأنّه الجواد الكريم ذو المن العظيم ، وإطلاق الزيادة يشمل جميع أنحائها كما وكيفا ومدّة ، وفي جميع العوالم ، فلا يعلم مقدارها ولا كنهها أحد إلّا الله تعالى.
قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً).
بيان لجزاء الفريق الآخر الّذين استنكفوا واستكبروا عن عبادة الله تعالى ، فيعذبهم عذابا مؤلما لا يحيط به الوصف كما يستحقّون ، ولم تكن هنا زيادة ؛ لأنّ الجزاء لا بدّ أن يكون على قدر العمل ، فإنّ كان خيرا فالزيادة فيه إنّما تكون فضلا وامتنانا منه عزوجل ، وأمّا الزيادة في الشرّ فلا تجوز ؛ لأنّهم لا يستحقّونها ، فهو يجازي المسيء بالعدل فقط ويجازي المحسن بالعدل والفضل كليهما.
قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
أي : لا يجدون لهم من غير الله تعالى وليا يلي أمورهم ويدبّرها ويرعى مصالحهم ، ولا نصيرا ينصرهم من بأس الله تعالى وممّا هم عليه من العقاب.
وإنّما ذكرهما عزوجل في المقام إبطالا لما زعموه في المسيح من الألوهيّة والتخليص من العذاب.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
نداء ربوبي الى الناس كافة يحبّب إليهم الإيمان بعد الجولة الطويلة مع الزائغين والكافرين ، إنّه نداء يرشدهم الى الكمال المنشود الّذي أعدّه الله تعالى لهم ،