الثامن : يدلّ قوله تعالى : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) ، على أنّ الإيمان الإجمالي لا اعتبار به ما لم يكن عن تفصيل ، فإنّ الوثني أيضا يعتقد بالله ويؤمن ، كما حكي عنه عزوجل ، قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [سورة الزخرف ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة الزخرف ، الآية ٨٧] ، ومع ذلك فهو في عداد المشركين والكافرين ، فالإيمان بحسب نظر القرآن وحدة جامعة للإيمان بالله تعالى والرسول الكريم والكتاب الّذي انزل عليه والكتاب الّذي انزل من قبل على سائر الأنبياء والمرسلين. وهذه الوحدات متكاملة يستلزم بعضها البعض لا تقبل التجزّؤ ، وتشتمل على جميع المعارف الإلهيّة الّتي شرحها القرآن الكريم في سوره وآياته المباركة.
ومن هنا نرى أنّ الآيات الكريمة التالية تنبئ عن ماهية الإيمان بصورة دقيقة ، وتشرح حقيقته شرحا وافيا. وتقسّم الكافرين حسب درجات كفرهم من حيث إنكارهم لمجموع الوحدات أو لبعضها ، فيصف عزوجل من أنكر المجموع بالضلال البعيد ، كما يصف من يفارق بعضها بالنفاق ، ويبيّن أنّه من الكفر التقرّب إلى الكفّار وموالاتهم وتصديقهم في ما يرمون به المؤمنين والاستهزاء بالإيمان وأهله ، وهذا ما نراه في الآيات الكريمة التالية.
التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ) أركان الإيمان الصحيح ، وهي : الركن الأوّل الإيمان بالله الواحد الأحد المستجمع لجميع صفات الكمال ، والمنزّه عن النواقص الّتي هي صفات الجلال ، وهذا الاعتقاد يستدعي نبذ الشرك والأنداد والاتّصاف بصفات الواحد المنّان.
الركن الثاني : الإيمان بجنس الملائكة الّذين هم رسل الله تعالى ، لا يعصون الله ما أمروا به ، وهم وسائط الوحي والفيض.
الركن الثالث : الإيمان بالكتب الّتي أنزلها الله تعالى على الأنبياء والرسل ،