ومبيّن للآخرين ، فتتجلّى لكم الحقائق ، وأمّا إذا كان المراد به القرآن الكريم فيكون من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ ، فإطلاق البرهان عليه لأنّه أقوى دليل وأتمّ حجّة على صدق ما جاء به الرسول الكريم ، وأمّا كونه نورا فإنّه بيّن بنفسه وحقّ واضح لا يحتاج الى إثبات كونه من عند الله تعالى ، فهو معجزة خالدة في أسلوبه وبلاغته وحقيقته ، وقد تضمّن من المعارف الإلهيّة والحقائق الواقعيّة والتوجيهات الربوبيّة والأحكام التشريعيّة ما يبهر منه العقول ، وهو مبيّن لغيره بإخراجهم من الظلمات الى النور وإرشادهم الى الحقّ.
قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ).
بيان لثواب من اتّبع برهان ربّه وآمن بالنور الّذي أنزله على الرسول صلىاللهعليهوآله ، وذكرنا أنّ هذه الآية الشريفة من المواضع المعدودة في القرآن الكريم الّتي يذكر فيها جزاء المؤمنين الصادقين وإيمانهم ، ولم يذكر فيها جزاء الكافرين والمعاندين ؛ لأنّ أسلوب الخطاب أسلوب التحبّب والرأفة ، ولأنّه عزوجل ذكر جزاءهم في الآيات السابقة ، وقد كان معهم جولة طويلة في هذه السورة ، ولأنّه جلّ شأنه أراد أن يكون ختام هذه السورة باستثناء آية الكلالة بالذكر الجميل والثواب الجزيل والعطف والرحمة دون الخوف والخيبة.
والآية الشريفة تبيّن حقيقة الإيمان المطلوب من الناس ، وهي الإيمان بالله العظيم وحده لا شريك له ، حسبما أوجبه البرهان الذي جاءهم دون ما يقترحه أهل الزيغ والضلال.
قوله تعالى : (وَاعْتَصَمُوا بِهِ).
الاعتصام : التمسّك بما يعصم ويحفظ ، وهو مأخوذ من العصام وهو الحبل الّذي تشدّ به القربة والإداوة لتحمل به ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٠٣] ما يتعلّق باشتقاق هذه الكلمة.
والاعتصام به عزوجل هو الأخذ بكتاب الله عزوجل واتّباع رسوله