وأنّ العقل ينكر الابتعاد أو التعدّي عنه ؛ لأنّ ما هو المخالف له يكون باطلا ويجب تركه ، وأنّ دعوته صلىاللهعليهوآله عامّة لجميع الناس من دون استثناء.
وإطلاق الحقّ يشمل جميع ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله من المعارف الإلهيّة ، والتوجيهات الربوبيّة ، والأحكام التشريعيّة ، وما جاء به في شأن الأنبياء والمرسلين ، فتكون الآية المباركة توطئة لردّ ما اعتقده النصارى في المسيح عليهالسلام ، والى هذا يشير قوله تعالى في ما يأتي : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، فإنّ الحقّ في الموردين يرمز الى أمر واحد ، وهو الّذي أنزله على الرسول وما جاء به من عند الله تعالى.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) على أنّ الإيمان الّذي بيّنه عزوجل في ما سبق من الآيات المباركة ، وذكر فيها أصوله وركائزه هو الوسيلة الوحيدة الّتي تجلب الخير وتوصل الى السعادة ، وأنّ حقيقة الخير تكمن في الإيمان بالله إيمانا صحيحا على النحو المطلوب ، وأنّ ما سواه ـ وهم وسراب ـ لا حقيقة له ، وإطلاقه يشمل جميع الأنحاء الخير الدنيوي والاخروي ، المادي والمعنوي. وهو يدلّ على أنّ الإيمان مطلوب بالفطرة ، كما أنّ الإنسان يطلب الخير بفطرته وطبيعته.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) على النهي في الغلو في الدين مطلقا من أي ملّة كان ؛ لأنّ وصفهم بأهل الكتاب إنّما هو تذكير لهم بأنّ من كان كذلك لا بدّ أن يلزم بما جاء في الكتاب ولا يتعدّى عنه ، وهذا المناط موجود في أهل القرآن أيضا ، فيجب عليهم الاعتقاد بما جاء فيه ويحرم عليهم الغلو في دينهم.
الرابع : يشمل قوله تعالى : (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على برهان قويم من البراهين الدالّة على التوحيد ، وقد ذكره عزوجل في عدّة مواضع لسعة معناه ولطفه وقربه الى الفطرة ، فإنّ وحدة الأثر لشاهد عظيم على وحدة المؤثّر ، فهو من أتمّ الدلالة على التوحيد ؛ لأنّ وحدة النظام ووحدة المسير والغاية والهدف في المخلوقات لدليل على أنّ لهذه المخلوقات خالقا واحدا