جامعا لجميع صفات الكمال ومنزّها عن مجانسة مخلوقاته ، وإلّا كان كأحدها يصيبه ما يصيبها ، ولعلّه الى هذا يشير قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٢] ، فإنّ لكلّ إله أثره الخاصّ به ، فتختلف الآثار ويختل النظام ، وهذا خلاف ما نراه في السموات والأرض ، فوحدة النظام تدلّ على وحدة الخالق.
ثمّ إنّ إحاطة ملكه تعالى على الأشياء وآثارها واستسلامها تحت إرادته وقهّاريته وتسخيرها في المسير الّذي حدّده عزوجل بها ، كلّ ذلك يعطي في الكفر والإيمان والطاعة والمعصية معاني لطيفة ، فإنّها لا تخرج بالمعصية عن قهّاريته جلّت عظمته ، ولا توجب خروجها عن مسيرها التكويني والهدف الّذي حدّده عزوجل لها ، وإنّما يكون للإيمان والكفر والطاعة والمعصية آثارها الوضعيّة الّتي تؤثّر في الموجودات ما سواه تعالى ، وهو جلّ شأنه منزّه عن تلك الآثار ، فهو المالك لأمرها ويدبّر شؤونها ويحيط بها ، يثيب المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بآثامه.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) على النهي عن التقوّل على الله تعالى إلّا بما أذن به عزوجل ، فلا يجوز نسبته (تعالى) الى ما لا يرضيه ، ويستفاد منه أنّ نسبة ما لا يليق بشأن الأنبياء إليهم هو تقوّل على الله تعالى ؛ لأنّهم رسله ووسائط فيضه ، كما أنّ الغلو في الدين الّذي أنزله الله تعالى على رسله هو قول على الله بغير الحقّ ، فهذه الآية الشريفة تشمل كلّ أمر ينسب إليه عزوجل ، سواء كان متعلّقا بذاته المقدّسة ، أم صفاته العليا ، أم بشأن الأنبياء العظام عليهمالسلام ، أم بما يتعلّق بكتبه وشرائعه المقدّسة إذا لم يكن مأذونا منه ، فهو تقوّل على الله تعالى.
السادس : يتضمّن قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) على براهين متعدّدة تدلّ على نفي الوهية المسيح عيسى ابن مريم :