التثليث لمنافاته لملّة إبراهيم المبتنية على التوحيد الخالص ، وأمرهم بابتغاء ما هو الخير لهم ، فقال عزوجل : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) ، ولعلّ الخير هذا يشير الى ما ورد في صدر الآية الكريمة من قول الحقّ والإيمان به ، قال تعالى (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ).
الثامن : يدلّ قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) على أنّ المسيح عيسى بن مريم خارج عن حقيقة الألوهيّة وداخل في حقيقة العبوديّة ، فهو إنسان كسائر البشر ، فاز بالنبوّة والرسالة ، وهو يستنكف عن أن يقال بأنّه ثالث ثلاثة ؛ لأنّه ينافي العبوديّة الّتي يعترف بها ويعلم علما قطعيا بأنّه سيحشر إليه تعالى فيحاسبه على أعماله ، فلا بدّ له من أن يعمل بمقتضى العبوديّة ، فيؤمن به ويتّقيه وإلّا لم يجد وليا ولا نصيرا.
فهذه الآية المباركة برهان آخر يدلّ على نفي الألوهيّة عنه ؛ لأنّ الإله لا يكون عبدا يخاف من مولاه ، ولكنه يختلف عن سائر البراهين المتقدّمة في أنّه مأخوذ من اعتراف المسيح والنصارى به فيحاجّون به.
وقد جمعت هذه الآيات الشريفة على جميع أقسام البراهين العقليّة المعروفة ـ مضافا إلى البرهان الوجداني النابع من صميم الفطرة وواقعها ـ الدالّة على توحيد الله تعالى ، ونفي الشرك ، والحلول ، والاتّحاد ، ونفي الولد عنه مطلقا.
ولا تختصّ هذه البراهين بخصوص هذا المورد ، فيشمل كلّ مورد يدعي فيه تلك المزاعم.
التاسع : يدلّ قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) (عن عبادته) أنّ الاستكبار عن عبادة الله تعالى يوجب انقطاع العصمة بينه جلّ شأنه وبين المستكبرين عن عبادته ، فلن يجد له وليا ولا نصيرا ليشفع ويرفع عنه العذاب ويكون واسطة لردّ العصمة بينه وبين مولاه عزوجل.
العاشر : يدلّ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) على الدعوة العامّة لجميع الناس ، وهو يدلّ على عصمة الرسول صلىاللهعليهوآله ، فإنّه البرهان الّذي يكون منزّها عن الخطأ والزيف وعاصما لغيره من الوقوع في الضلال.