وفي هذا البحث نذكر ما يتعلّق بمسألة الوهيّة المسيح عيسى بن مريم عليهالسلام الّتي لا تقلّ أهميّة عن سابقتها إن لم تكن بأعظم منها ؛ لأنّها تمسّ عقيدة التوحيد الّتي بنيت عليها الأديان الإلهيّة ، ولأثرها الخطير في الأحكام الشرعيّة ، ولتأثيرها في النفوس وإطفاء نور الفطرة فيها.
وقد عالج جلّ شأنه هذه المسألة في آيات محكمة ذات أسلوب بلاغي رائع ، فذكر خلق عيسى بن مريم ، ورسالته ، وأنّه عبد من عباد الله تعالى لا يستنكف عن عبادته ، وبيّن الحقّ فيها وأقام الحجج والبراهين عليه ، ونهاهم عن القول بالتثليث ، فأثبت عقيدة : «لا إله إلّا الله» الّتي لم ينفك القرآن الكريم عن الدعوة إليها.
ونذكر في هذا البحث الألوهيّة في القرآن الكريم وما ذكره عزوجل في شأن هذا النبي العظيم الّذي يعد معجزة إلهيّة في جميع أحواله من خلقه وولادته ومبعثه ورفعه الى السماء ، ثم نذكر عقيدة المسيحيين وما يتعلّق بها ، كما نبيّن وجه البطلان فيها ، ثم نذكر مآخذ هذه العقيدة والسبب في دخولها في المسيحيين إن شاء الله تعالى.
الإله في القرآن الكريم :
يعدّ القرآن المجيد من أمتن الكتب الإلهيّة وأعظمها في معالجة مسألة الألوهيّة وبيان خصائصها ، فقد أثبت الإله الواحد الأحد وأشاد بعقيدة التوحيد وأسّس أسسها وقواعدها ، وأقام دعائم الوحدانيّة واستدلّ عليها بأدلّ وبراهين متعدّدة ، الفلسفيّة منها والوجدانيّة والطبيعيّة وغيرها ، حتّى جعلها أقرب الأمور الى النفوس وأعذبها إليها ، ورفض الشرك بجميع أشكاله وعدّه من الظلم العظيم الّذي لا يغفر ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) واعتبره أمرا مرفوضا بالفطرة ، وله آثار وضعيّة جسيمة على الإنسان وبقية المخلوقات ، وحاجّ المشركين بجميع أصنافهم.