ولا أم وهم لا يقولون بذلك ، فليس الخلق من غير أب أو غير أم أو كليهما إلّا لبيان تمام قدرة الله تعالى على خلقه.
وأمّا القول بأنّ صدور المعجزات الباهرات وخوارق العادات منه عليهالسلام لدليل على كونه إلها ، إذ لم تصدر تلك إلّا من الإله. فهو باطل أيضا ، فإنّها إن صدرت منه استقلالا ومن دون إقدار الله تعالى عليه ، فكان أولى له أن يخلّص نفسه من العذاب الّذي حلّ فيه من أعدائه ولم يحتج الى التماسه من أبيه لينجيه من ذلك ، كما ورد في العهد الجديد وقد تقدّم في البحث السابق ، وإن لم تكن من مقدوراته ، فهو عليهالسلام وجميع الأنبياء في هذه الجهة على حدّ سواء ، فلم تكن ميزة له ، ليدلّ على كونه إلها ، وقد صدرت معجزات باهرات من موسى عليهالسلام ولم يدع الألوهيّة فيه ، فإن نكروا ذلك فيحقّ لغيرهم أن ينكروا ما يدّعونه في المسيح عليهالسلام ولا يمكنهم ذلك ، فإنّه لم يثبت ما يدعونه بأخبار التواتر إلّا ما ورد في القرآن الكريم ، وهم ينكرونه ويكذّبون من نزل عليه.
وأمّا الاستدلال على دعاويهم بما ورد في الأناجيل المعروفة عندهم ، فيردّ عليه ..
أوّلا : أنّه لا بدّ من إثبات ذلك ، فإن الأناجيل المعرفة لم تسلم من يد التحريف ، كما نطق به التنزيل.
وثانيا : أنّه معارض بمثله ، كما ورد في الأناجيل المذكورة ، ولقد كفانا مؤنة ذلك شيخنا الجليل الشيخ البلاغي (طاب ثراه) ، فمن شاء فليراجع كتابه (الهدى الى دين المصطفى) وتفسيره القيم (آلاء الرحمن).
وثالثا : أنّه يمكن تأويله بما لا يصادم القواعد المسلّمة إن أمكن التأويل ، وإلّا فيردّ.
هذه خلاصة ما يمكن أن يقال في المقام ، ولعلّ ما ورد في القرآن الكريم في شأن المسيح عيسى بن مريم عليهالسلام بتعابير مختلفة ، كنسبته الى امه العذراء الطاهرة ؛ للدلالة على كونه منسوبا ومخلوقا كسائر أفراد الإنسان ، وإثبات كونه رسولا ،