مريم عليهالسلام أنّه كان يأمر بالتوحيد ونبذ الأنداد ، فقال تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ* ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦ ـ ١١٧].
ويستفاد من هذه الآية المباركة أنّ عبادة الله تعالى الواحد الأحد كانت من أساسيات هذا الدين العظيم ، وكان عيسى عليهالسلام يأمر بها وهو الشهيد على ذلك ؛ لعلمه بأنّها كانت قائمة عند وجوده فيهم ، وأمّا بعد ارتحاله وفقدان المعلم المرشد فيهم ، فالأمر كان على خلاف ذلك ، فقد دبّ الخلاف فيهم وتعدّدت الأناجيل وكثر المتأوّلون لآياتها ، فضلّوا وأضلّوا كما حكى عزوجل في القرآن الكريم عنهم ، ويدلّ عليه بعض الأناجيل أيضا ، فقد روى يوحنا في الفصل السابع عشر من إنجيله قول عيسى عليهالسلام : «وهذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الّذي أرسلته» ، وهو يدلّ على أنّ الله تعالى واحد ، وهو الإله فقط والمسيح رسوله ، وهذا هو الّذي دعا إليه القرآن الكريم كما ورد في الآيات الّتي تقدّم تفسيرها. ونقل مرقس في الفصل الثاني عشر من إنجيله أوّل الوصايا : «فأجابه يسوع أوّل الوصايا اسمع يا اسائيل الربّ إلهنا ربّ واحد» ، وهو يدلّ على أنّ عقيدة التوحيد هي المعقول وأساس هذا الدين ، فإذا كان شيء يخالف ذلك فلا بدّ من تأويله إن كان قابلا له ، وإلّا فهم أولى بتفسير كلمات كتابهم.
ويذكر علماء تاريخ الأديان الإلهيّة أسبابا عديدة لدخول عقيدة التثليث في النصرانيّة ، والمعروف بينهم أنّ النصارى كانوا على دين الإسلام برهة من الزمن بعد ما رفع عيسى ابن مريم عليهالسلام الى السماء ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّه كان بينهم بعض الحواريين الّذين اتّبعوا المسيح عليهالسلام حقّ الاتّباع ، وهم الّذين نشروا تعاليمه في البلاد فكانوا أوصياءه عليهالسلام ، وبعد غيابهم دخلت تلك العقيدة في النصرانيّة ، فقيل : إنّ