والقول بنجاسة المشركين كما عرفت من الوجوه ، وحتّى لو التزمنا بنجاسة الكتابي فالاستدلال بتلك الآيات ـ الدالّة على شركهم ـ بنجاستهم مشكل ، فتأمّل جيدا. هذا كلّه لو قلنا بطهارتهم ، وأمّا لو قلنا بنجاستهم فلا موضوع لهذا البحث أصلا كما هو واضح.
بحث عرفاني
تقدّم في أحد مباحثنا العرفانيّة السابقة أنّ للقلب حياة وممات ، ولكلّ منهما علامات تأتي في ضمن تفسير الآيات الكريمة المناسبة لها إن شاء الله تعالى. فمن علامات موت القلب الغفلة عن الله تعالى ، وإرسال الجوارح في معاصيه جلّ شأنه ، وعدم المبالاة بالزلّات ، وأنّ الجامع الباعث لموته حبّ ما سواه تعالى.
وحياة القلب لا تكون إلّا بمعرفة الله تعالى ، فكلّما كانت المعرفة أكثر وأعمق تكون آثارها كذلك ، ومن تلك الآثار ظهور آياته جلّت عظمته بدرك القلب الّذي فيه الحياة لها ، ويعبّر عنها بالتجلّي في مصطلح أهل العرفان.
ولم ترد التجلّيات إلّا على القلب الّذي سلم من يد الأغيار في حياته ، واستعدّ للواردات الربوبيّة بشهود أنواره ، وصار محلا لدرك الإفاضات بصفاته ، ولذلك كان ظهور التجلّيات في صنف الأنبياء والأولياء أكثر من غيرهم لكمال معرفتهم بالله العظيم وانسهم بخالقهم ، وبعدهم عن الأوهام ، وخوفهم من سخطه ، وتقرّ بهم الى ساحة كبريائه.
وقد فاز بالحظّ الأوفر من التجلّيات الإلهيّة سيد الأنبياء وخاتمهم نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله ؛ لكمال استعداده ؛ وعظيم معرفته ؛ ومنتهى أنسه بربّه ، كما نصّت عليه الآيات الشريفة الّتي يأتي شرحها وتفسيرها والبراهين العقليّة.
وأعظم تلك التجلّيات كان لإبراهيم خليل الرحمن عليهالسلام ، وأسماها لموسى بن عمران عليهالسلام ، قال تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) [سورة الأعراف ، الآية :