١٤٣] ، ففي الحديث : «انّه برز من نور العرش مقدار الخنصر ، فتدكدك به الجبل وصار مستويا بالأرض» أي ترابا ، وكذلك لمريم ابنة عمران عليهاالسلام ، فقد تجلّى ربّها لها بإرسال الأمين وتمثّل بالبشر عندها ، فولد عيسى منها بلا أب ، وغير ذلك ممّا ظهر لها في المحراب ، وأمّا تجلياته جلّ شأنه لعيسى بن مريم فهي كثيرة ، من إبراء الأكمه والأبرص ، وخلق الطير ، وإحياء الموتى بإذن ربّه ، ورفعه الى السماء وغيرها.
وتختلف تلك التجلّيات حسب اللياقة والصفاء ، والزمان ، والانس بالربّ وحسب المصالح الّتي لا يعلمها إلّا هو جلّت قدرته ، كما هي مذكورة في كثير من الآيات الشريفة والكتب السماويّة المصونة من يد التحريف ، وتفصيل ذلك خارج عن موضع هذا الكتاب ، ويأتي ما يتعلّق بذلك في محلّه إن شاء الله تعالى.
وأمّا التجلّيات للمؤمنين ، فتختلف حسب اختلاف درجات إيمانهم وحياة قلوبهم وقرب منزلتهم لديه جلّ شأنه ، وإن كانت أصولها تنقسم الى أقسام ثلاثة :
الأوّل : التجلّي بعد الانتباه من الغفلة الى اليقظة ، ويعبّر عنه بالإقبال ، فيغيب عمّا سواه تعالى ولا ينظر إلّا الى آثاره تعالى ، وهو المرحلة الاولى للسالكين إليه عزوجل ، وله مراتب متفاوتة ، وفي كلّ مرتبة درجات.
الثاني : التجلّي بالوصال وهو مختصّ بالأوصياء والكمّل من الأولياء ، وفي دعوات الصحيفة الملكوتيّة السجاديّة ودعاء كميل شواهد كثيرة على ذلك ، وله أيضا مراتب وفي كلّ مرتبة درجات.
الثالث : التجلّي بالفناء ، بكشف الحقيقة أو بفناء النفس في جنبه ، وهو مختصّ بالخلّص من الكمّل ، والغور فيه بالبحث عنه مزلّة الأقدام ، فطوبى لمن نال بقبس من ذلك النور وفاز برشحة منه.
وهناك تقسيم آخر للتجلّي وهو العظيم ، والأعظم ، والأكبر كما ورد في الدعوات المأثورة ، والبحث عنه موكول للآيات المناسبة له إن شاء الله تعالى.
وعن بعض العرفاء أنّ العوالم كلّها ساحة تجلّياته تعالى ، ويدركها الإنسان إن تحقّقت المعرفة ، ورفعت الحجب ، وأزيلت الأستار ، وانفصلت الأغيار عن النفوس ،