النكاح ، قال تعالى : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٣٧] ، وفي دعاء الصحيفة الملكوتيّة : «وأسألك بمعاقد العزّ من عرشك» ، أي : بالصفات الّتي استحقّ بها المجد والعزّ للعرش ، فيها انعقد وبوجودها تشرّف ، فلا يمكن الانفصال بينهما ، ولعلّ تلك الخصال أو الصفات تجليات خاصّة من ربّ العزّة استحقّ العرش بها المجد والعظمة.
والوفاء بالعقد : هو الالتزام بلوازمه وعدم نقضه ، وإطلاق الكلمة يشمل جميع العهود والمواثيق الخالقيّة ، والخلقيّة ، ما لم يرد نهي عن الشارع المقدّس عن الوفاء به ؛ لأن في كلتيهما يتحقّق معنى الاستيثاق والشدّ ، وأنّ ذكر بعضهم بأنّ العقد يختلف عن العهد في أنّ الأوّل ما كان انشاؤه بين اثنين ، بخلاف الثاني فإنّه قد ينفرد به واحد ، ولكنه لا يضرّ بأصل المعنى الّذي اشتركا به.
وربّما يستفاد من موارد استعمال المادتين أنّ العهد أشدّ من العقد ، فإنّ الأخير ربط بين شيئين ، بحيث يلزمه ولا ينفكّ عنه بينما يكون الأوّل ربطا بين العاهد والمعهود له فيه تمكين من النفس. فلا يمكن للعاهد أن ينقضه ، ولعلّه لأجل ذلك كان استعمال العهد أكثر من العقد في القرآن الكريم ، فقد ورد العهد فيه ما يقرب من خمسين موضعا ولم يبلغ العقد العشرة ، وأكّد القرآن على الوفاء بالعهد فقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) [سورة الإسراء ، الآية : ٣٤]. وهو يشمل كلّ مصاديق العهد وجميع معانيه من الفرديّة والاجتماعيّة ، والعقود الدائرة في المجتمع ، والنذور ، وهذه الثلاثة هي ركائز الحياة ولا غنى للإنسان عنها ، فإنّ جميع الحقوق الفرديّة والاجتماعيّة مبنيّة على الوفاء بها ، وفي نقضها هدم للكيان الإنساني فلا تقوم له قائمة ، ويكفي في ذمّه أنّه إبطال للعدل الاجتماعي الّذي هو الركن الأساسي في حياة الإنسان ، وهو مأواه من الظلم والطغيان ، وبه ينتظم سلك الاجتماع وتتحقّق السعاة ، ففي العقد والعهد بجميع معانيهما قوام حياة الإنسان في كلّ علاقاته مع خالقه ومع نفسه ومع الآخرين ؛ لأنّه الوسيلة الوحيدة في اكتساب المزايا والحظوظ الدنيويّة والاخرويّة ؛ ولذا أكّد القرآن الكريم على الوفاء