بهما ومدح الموفين بعهودهم وعقودهم ، وشدّد النكير على نقضهما وعدم الاعتناء بهما وذمّ الناقضين لهما ذمّا بالغا ، والسرّ في ذلك واضح ؛ لأنّ الإسلام يعتبر الوفاء بالعقد والعهد من مكارم الأخلاق ومظهرا من مظاهر صفاته عزوجل ، مضافا الى أنّ فيه حياة الامة ، وأنّه أساس كلّ عدل فردي واجتماعي ، بلا فرق بين أن ينتفع العاقد من العقد أم لا ، إلّا أن يتضرّر منه ، وينقض كلّ عقد يستلزم الظلم ويوجب سلب الحقّ عن الآخرين.
وبعبارة اخرى : أنّ الإسلام يجعل العقد والعهد والوفاء بهما خدمة للحقيقة ووسيلة لرعاية الحقّ ، لا أن يكون لهما موضوعيّة خاصّة فقط ، وبهذا افترق في احترام العهد والعقد عن سائر الأمم والقوانين الوضعيّة ، فإنّها إنّما تحترم العقود والعهود إذا جلبت المنافع ، أو استلزم منها تثبيت حقّ ، أو كانت وسيلة لابتزاز حقوق الآخرين والسيطرة على المحرومين.
وبتعبير أوضح أنّ الأمم إنّما تحترم العقد والعهد إمّا لأنّهما تجلب المنفعة أو تدفع المفسدة ، وكلاهما لا يكون غاية في احترام العهود والعقود في الإسلام كما عرفت.
إن قلت : إنّ العقود والعهود في أدلّة وجوب الوفاء هي المتداولة بين أعراف العقلاء ، فلا وجه للتفاوت والتفصيل بينها.
قلت : البحث في الدافع لاحترامها والمحفّز للالتزام بها ، فتارة : يكون لأجل رعاية الحقّ وحفظ الحقيقة ولا يراعي الجوانب الاخرى ـ مثل المنافع أو المفاسد ـ وغيرهما وهذه نظرية الإسلام.
واخرى : يكون الدافع أو المحفّز المنافع أو دفع المفاسد ، وهذه نظرية الأمم أو القوانين الوضعيّة ، فلا وجه للإشكال كما هو واضح.
ثمّ إنّ العقود من الأمور العقلائيّة الدائرة في المجتمع ، ولا تختصّ بالإسلام ، وإن احترامها من الأمور الفطريّة ؛ لأنّ البشر من أوّل وجوده على هذه البسيطة ـ مع قطع النظر عن الديانات ـ كان يحترمها ، فيكفي في اعتبارها عدم ورود المنع في