قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ).
حكم امتناني إلهي يبيّن ضروريات الإنسان في معاشه ، وهو من العهود الّتي أمر الله تعالى بالوفاء بها ؛ لما له من الأهميّة في حياة الناس ، وفيه تفصيل بعد إجمال فقد ذكر عزوجل القاعدة العامّة في ما يحل أكله من الطعام ، ثمّ استثنى ما يكون محرما ، وذكر بعض الحالات الّتي يحرم فيها الصيد وأكله.
والإحلال : الإباحة ، وفي الحديث المشهور عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «انّ الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» ، أي : صار المصلّي بالتسليم يحلّ له ما حرّم عليه فيها بالتكبير من الكلام والأكل وسائر المنافيات ، كما يحلّ للمحرم بالحجّ بالتقصير وطواف النساء ما كان حراما عليه ، وقد تقدّم الكلام في اشتقاق هذه الكلمة في قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [سورة البقرة ، الآية : ٢٧٥].
ومادّة (بهم) تدلّ على الغمض والإغلاق وعدم التمييز ، ومنه باب مبهم ، أي : مغلق ، وليل بهيم أو بهمة ، للشجاع الّذي لا يدري من أين يؤتى له ، وفي الحديث : «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما» ، ومعناه : يحشر الناس وليس فيهم شيء من العاهات والأعراض أو الأمراض الّتي تكون في الدنيا كالعمى ، والعور ، والعرج ، وإنّما هي أجساد مصحّحة للخلود إمّا في الجنّة أو في النار ، ولكنّهم لا ينطقون لهول المحشر وما سيطر عليهم من الغلق والرعب فأبهموا عن البيان ، وممّا ذكرنا ظهر معنى ما ورد عن ابن عباس : «أبهموا ما أبهم الله».
والبهيمة : اسم جنس لكلّ ذات الأربع من دواب البرّ والبحر ، سمّيت بها لعدم تمييزها وإبهام الأمر عليها ، والجمع بهائم وبهم ، وفي الدعاء : «والبهم الصافين الحافّين حول عرشك» والمراد بهم الملائكة ، ولعلّ الوجه في تسميتهم بها ؛ لأنّ أحوالهم وسائر شؤونهم قد ابهمت على غالب الخلق ، أو لأنّهم شاهدوا التجلّيات وظهرت لهم الحقائق ، فلم يتمكنوا من بيانها وإظهارها ولذلك أبهموا ، وإفراد البهيمة لإرادة الجنس.
والأنعام : جمع النعم ، وهي الدواب المعروفة ، واللفظ يشمل جميع الأنواع ممّا