قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ).
يعني : القاصدين له ، اسم فاعل من أمّ إذا قصد ، يقال : أممت كذا ، أي : قصدته. أي : ولا تستحلّوا القاصدين للبيت الحرام بأن تمنعوهم من دخوله ، ولا يختصّ ذلك بخصوص الشهر الحرام ، بل هو عامّ يشمل جميع الأزمنة ، بل وحتّى المشركين الّذين يقصدون البيت لولا منعه تبارك وتعالى عن دخولهم الحرم.
ويختلف الأمّ عن القصد في أنّ الأوّل هو التوجّه الى الشيء وقصده قصدا مستقيما لا يعني الى غيره ، بخلاف القصد.
قوله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً).
الجملة إمّا في موضع الحال من ضمير (آمين) ، أو صفة لآمين ، وحينئذ يكون المراد منهم المسلمين ؛ لأنّهم هم الّذين يطلبون ذلك ، فتكون الآية الشريفة غير منسوخة ، كذا قيل.
وفي الآية المباركة إشارة الى تعليل النهي واستنكار المنهي عنه ، لما ذكر فيها من اسم الربّ من التشريف لهم ، وكونهم قاصدين البيت الحرام الّذي من قصده كان من الآمنين.
والفضل هو الأجر والمال ، أي : منهم يبغي ويقصد البيت للتجارة والربح ، ومنهم من يطلب رضوان الله تعالى.
وفي الآية المباركة لطف من الله عزوجل لمن يقصد البيت الحرام ، واستئلاف منه جلّ شأنه لغير المسلمين ؛ لتنبسط النفوس فيردون الموسم فيستمعون القرآن ويدخل الإيمان في قلوبهم.
وخصّ بعض المفسّرين الحكم بالمشركين ، ثمّ قال : إنّه نسخ بقوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [سورة التوبة ، الآية : ٢٨] ، ولقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٥] ، وأيّده بما رواها جمع في سبب نزول الآية الشريفة وكونها في المشركين.
والحقّ أنّ الآية المباركة على إطلاقها وعمومها كما تقدّم ، وأنّها تدلّ على عدم التعرّض لحرمات الله تعالى ، وأنّ المؤمن لا بدّ له من التسليم والعمل بما أنزله