الله جلّ شأنه ، وأنّ التعليل المزبور يشمل كلا الفريقين فيكون النهي عن استحلالهم ومنعهم عن حجّ البيت ، إلّا إذا حصل المنع منه جلّ شأنه عن دخول حرمه.
بل إنّ الآية الشريفة ترشد الى التحلّي بخلق كريم ، وهو نبذ الاعتداء والإصرار على أخذ الثأر بما فعله المشركون بالمسلمين قبل الفتح ، فيمنعوهم عن المسجد الحرام كما تشير إليه الآية التالية.
قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا).
رفع للحظر المفروض على الاصطياد في حال الإحرام ، فيفيد الإباحة ، والحلّ والإحلال بمعنى الخروج من الإحرام ، أي : يباح لكم الصيد بعد الإحلال من الإحرام.
والآية المباركة تدلّ على أنّ غاية حرمة الصيد هي الإحلال من الإحرام المستفاد من قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). وإنّما خصّه بالذكر لشدّة ابتلائهم به وحرصهم عليه.
قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا).
تأكيد للحكم السابق من عدم التعرّض لحرمات الله تعالى وعدم هتك شعائر الدين ومعالمه ، وبيان لخلق كريم من مكارم الأخلاق الّتي أمر بها الإسلام وقد بعث رسوله صلىاللهعليهوآله لا تمامها ، كما قال صلىاللهعليهوآله : «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ومادّة (جرم) تدلّ على القطع ، يقال : جرم يجرم جرما إذا قطع ، وفي الحديث : «لا تذهب مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف ، يريد تجرم ذلك القرن» أي : انقضاؤه وانصرامه ، وأصله من الجرم ، أي : القطع. ومنه الحمل على شيء ، يقال : جرمني كذا على بغضك ، أي : حملني عليه ، قال الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة |
|
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا |
فإنّ في الحمل على شيء قطعا عن غيره ، كما أنّ منه جرم بمعنى كسب ؛ لانقطاعه إلى الكسب ، يقال : فلان جريمة أهله ، أي : كاسبهم ، وأجرم فلان ، أي : اكتسب الإثم ، ومنه قول الشاعر :