ومنعوكم عن إتيان الحجّ والزيارة أن تعتدوا عليهم انتقاما منهم ، بعد ما أظهركم الله عليهم.
وعموم الآية الشريفة يشمل المشركين وغيرهم ، فإنّ مضمونها يرجع الى النهي عن الاعتداء على سبيل الانتقام والبغي وجعلهما من صفات النفس ، ولما كان لذلك أسباب ومبادئ ، فالنهي عنها نهي عنه بالأولى ، كما هو معلوم في العلوم البرهانيّة ، وفي المقام نهي عن البغض والشنآن ، فهو يرجع الى النهي عن الاعتداء والبغي ، فلا ينفي ذلك الاعتداء بالمثل إذا كان في سبيل الحقّ ، كما في قوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩١].
واستشكل بعضهم بأنّ الآية المباركة نزلت بعد فتح مكّة ، ولم يكن يتوقع صدّ من أحد.
ويمكن الجواب عنه بما تقدّم آنفا من أنّ الآية المباركة لا تختصّ بالمشركين ، وأنّها في مقام بيان خلق كريم من مكارم الأخلاق الّتي دعا إليها الإسلام ، ولنفي توهّم المماثلة في هذا الاعتداء فيصدّ المسلمون المشركين عن المسجد الحرام كما صدّوهم عنه انتقاما منهم.
أو يقال : إنّ المقصد من هذا الحكم هو احترام الشعائر وتعظيمها والمحافظة على حرمات الله تعالى ، كما هو ظاهر سياق الآية الشريفة الّتي ذكرت بعد نهي المؤمنين عن إحلال شعائر الله تعالى ، فلا تختصّ بالمشركين.
قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).
هذه الآية المباركة من جوامع الكلم الّتي تبيّن قاعدة من القواعد الّتي تبتني عليها سعادة المجتمع الإنساني ، وركن من أركان الهداية الاجتماعيّة الّتي تقوم على التعاون بما ينفع الناس في دنياهم ، وأساس مهم من أسس الاجتماع الإنساني.
وقد بنى الإسلام هذه القاعدة الاجتماعيّة المهمّة على ركيزتين ، هما : التحلية بالتقوى والطاعة والعمل الصالح ، ممّا يجعل المجتمع وحدة متكاملة له هدف معين