ونظام واحد قويم ، فأمر بالتعاون على البرّ. والتخلية عن أضدادها ، وأكّدها بالنهي عن إعانة الإثم ، أي : المفاسد كالبغضاء والعدوان ومساوئ الأخلاق وغيرها من الصفات السيئة ؛ ونهى عن كلّ ما يعوق عن تنفيذ هذا الحكم ويكون مانعا من تأثيره وسببا في الشقاء والحرمان ، وهو العدوان الّذي يجعل أفراد المجتمع أعداء متباغضين ليس لهم هدف ونظام ، بل يفكّك عري المجتمع ويهدّد كيانه ويفسد سعادته.
والآية الشريفة على ايجازها البليغ واسلوبها البديع تبيّن نظرية الإسلام في الاجتماع وتتضمّن خلقا كريما من مكارم الأخلاق ، ولأهمّيّته في الحياة الاجتماعيّة ودخله في سعادة الفرد والمجتمع وكرامتهما ، ذكر عزوجل فيها جميع ما يتطلّب هذا الحكم ، من الدعوة الى التضامن بالتعاون وموضوعه ومورده وآثاره في المجتمع وضمان هذا الحكم والغرض منه وترغيب الناس إليه والتأكيدات عليه.
والتعاون على وزن التفاعل من أعان يعين إعانة وتعاون يتعاون تعاونا ، ولا يخفى تقوّم هذه الصيغة في المقام بالطرفين ، فيكون هذا خطابا لكلّ اثنين بأن يعين كلّ فرد غيره في البرّ والتقوى ، كأن يعين زيد عمرا على البرّ والتقوى ، ويعين عمرو زيدا كذلك ، وكذا النهي عن التعاون على أسباب الإثم والعدوان. ومنه يعلم حكم الإعانة من طرف واحد أيضا ، فإن كانت على البرّ والتقوى فهي محبوبة ، وإن كانت على الإثم والعدوان فهي مبغوضة.
والبرّ معروف ، وقد ورد في القرآن الكريم في عدّة مواضع ، وتقدّم الكلام في اشتقاقه في قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٧] ، وقد بين عزوجل فيه أهمّ أركانه ، وله مصاديق كثيرة يجمعها الإيمان ـ إيمانا صحيحا صادقا ـ والإحسان في جميع الأمور ، فيدخل فيه العفو والإعفاء وغير ذلك ممّا ذكر في المقام.
والتقوى : هي مراقبة الله تعالى في أوامره ونواهيه ، فيكون المراد من التعاون على البرّ والتقوى هو الاجتماع على الإيمان والإحسان والطاعة ، مع مراقبة الله تعالى فيها بأن لا يتخطّى تشريعاته وتوجيهاته عزوجل.