القرآن الكريم النفع مطلقا ، فأوجب الوفاء بها سواء انتفع منها العاقد أم لا ؛ لأنّها جعلت لرعاية الحقّ كيف ما كان ، وهذا بخلاف ما عليه النظرية الماديّة والقوانين الوضعيّة ، وما عليه الجاهليّة المعاصرة من أن احترامها إنّما يكون لأجل النفع أو دفع المفسدة. وبعبارة اخرى : أنّ ابتغاء المادّة من جميع العلاقات أو العقود هو الهدف عندها وإن دحض بها الحقّ.
الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) وجه الحكمة في حلّية الأنعام للإنسان فإنّ الله تبارك وتعالى إنّما خلقها بهائم حقيرة الشأن ؛ لأنّها غير قابلة للاستكمال ، ولعلّ من كمالها أنّ خلقها الله تعالى في خدمة أشرف مخلوقاته ، وفي ذلك ردّ على من زعم أنّ قتلها لأجل استفادة الإنسان منها إيذاء لها ، لا سيما مع عدم قدرتها على دفع الضرر عن أنفسها ، وهو ممّا يرفضه الطبع ، بل هو قبيح عقلا ، فكيف يرضى به الإله الرحيم ، فإنّ الله تعالى خلقها بهائم لا تشعر بما يشعر به الإنسان الّذي هو أشرف المخلوقات ، فلا قبح عقلا في جعل شيء منها غذاء للإنسان ومورد استفادته بعد إذن خالقها في ذلك ، وانّها من نعم الله تعالى أنعم بها على عباده كما هو واضح.
وما عن بعض من أنّ البهائم لا تدرك ؛ ولذا يحلّ قتلها.
غير صحيح ؛ لأنّها تدرك الآلام الواردة عليها كما في بعض الروايات ، وإن كانت آلامها مقدّمة لكمالها بصيرورتها جزءا من الكامل ـ وهو الإنسان ـ بالغذاء له كما قلنا ، ولو لا ذلك يحرم إيذاؤها بقطع بعض أطرافها أو جرحها ، بلا غرض عقلائي ، ويحرم شرعا كما ذكره الفقهاء في حرمة الصيد اللهوي الّذي لا يقصد منه إلّا التلذّذ بالتفريح لقتل الحيوانات.
وبالجملة : كمالها بأن تصير غذاء لأشرف المخلوقات ، ولولا ذلك لم يأذن الشارع بقتلها أو إيذائها من دون مسوّغ عقلي وغرض عقلائي.
الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) أنّ إحلال محرّمات الله تعالى له دخل في تضييق التكليف والوقوع في بعض العقوبات الدنيويّة ، فإنّ الله تعالى أحلّ بهيمة الأنعام على المؤمنين في ما إذا لم يحلّوا الصيد حال الإحرام الّذي