حرّمه الله تعالى ، فإذا أحلّوا الصيد واصطادوا الوحش من الأنعام فيحرم عليهم أكلها كما هو مذكور في كتب الفقه ، وقد تقدّم في الآيات السابقة نظير ذلك بالنسبة إلى اليهود ، فإنّهم أحلّوا ما حرّمه الله تعالى عليهم فأوقعوا أنفسهم في المشقّة ، إذ كلّفهم عزوجل ببعض التكاليف الشاقّة نتيجة جرأتهم على هتك حرمات الله تعالى.
وفي الآية الشريفة إشعار للمؤمنين بأن لا يفعلوا شيئا يوجب وقوعهم في المشقّة وتكليفهم بتكاليف أشدّ وأصعب. ومن ذلك يعرف وجه التأكيد على النهي عن إحلال ما حرّمه الله تعالى وهتك حرماته وتعداد جملة ممّا حرّمه الله تعالى في الحجّ ؛ لأنّه من أعظم الشعائر ولشدّة ابتلائهم به ، وأنّه ممّا امتحن به المؤمنين.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) على أنّ المجتمع الصالح ما إذا كان بين أفراده التعاون ، وانحصر أن يكون ذلك على البرّ والتقوى.
وقد جمعت هذه الآية الشريفة باختصارها البليغ جميع وجوه الخير والكمالات الواقعيّة ، فلا يمكن أن نتصوّر خصلة من الخصال الحميدة ، ولا خلقا كريما إلّا وهي موجودة في هذه العبارة البليغة المختصرة الّتي تشير أيضا الى أنّ الأفراد والمجتمع لا يمكن أن يصل كلّ واحد منهما الى هدفه إلّا بالعمل بما ورد فيها ، فهي من أهمّ سبل الهداية الاجتماعيّة.
وتبيّن الآية الكريمة نظرية الإسلام في المجتمع ، فإنّه يرى أنّه لا بدّ أن يكون إعداده إعدادا صالحا يتحمّل جميع أفراده المسؤوليّة في تنظيمه ومراقبته ؛ لئلّا يخرج عن المسير الصحيح الّذي أمر به الله سبحانه وتعالى ، فيكون المراد من التقوى في المقام التقوى الجمعي والشعور بالمسؤوليّة ومراقبة جميع أفراد المجتمع بالتعاون بينهم على البرّ ، ونبذ كلّ ما يكون مانعا عن الوصول إلى الهدف المنشود ، ولا توجد عبارة مهما بلغت من الفصاحة والبلاغة تشتمل على معاني دقيقة ومطالب رفيعة متقنة مثل هذه العبارة ، فسبحان من بهرت آياته ، وظهرت قدرته ولا يمكن عدّ نعمائه.