ولا شكّ في أنّ اتّباع الهوى يختلف باختلاف الأشخاص والحالات ، وله مراتب متفاوتة شدة وضعفا وكيفيّة وجهة ، وأن قوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) يشمل جميعها ، ولا بدّ للسائر والسالك إلى الله جلّ جلاله من التخلية بإزالة العيوب الباطنيّة وغيرها. وأهمّها ثلاثة :
الأوّل : عيوب النفس ، وهي ما تتعلّق بالشهوات الجسمانيّة ، كطيب المآكل ، والملبس ، والمركب ، والمسكن ، والمنكح وغيرها ، ومن كلّ هذه العيوب تتفرّع عيوب ومساوئ اخرى.
الثاني : عيوب القلب ، وهي تتعلّق بالشهوات القلبيّة كحبّ الجاه والرياسة والعزّ ، والكبر ، والحسد ، والحقد وغيرها ممّا يرد على القلب بالتخيلات والأماني الشيطانيّة ، الّتي لا واقع لها بل هي مجرّد وهم بعيدة عن الحقّ والحقيقة كلّ البعد.
الثالث : عيوب الروح ، وهي ما تتعلّق بالحظوظ الباطنيّة ، كطلب الكرامات والمقامات عن غير الصراط المستقيم المبيّن من الشرع الأمين.
وهذه العيوب ـ عيوب النفس ، وعيوب القلب ، وعيوب الروح ـ كلّها تحصل من متابعة الهوى والبعد عن الحقيقة ، ومع هذه الأغيار كيف تستعدّ النفس للواردات الإلهيّة؟! وكيف تحظى بالرقي إلى المقامات العالية؟!. أم كيف تصل إلى جنّة المعرفة؟!. وكيف تشرق عليها الأنوار الربوبيّة؟! وكيف تخرق أبصار القلوب حجب النور حتّى تصل إلى معدن العظمة؟. وكيف يمرّ على النار وأنّها تناديه : «جز يا مؤمن فإنّ نورك يطفئ لهبي» المعدّة للمؤمن؟! وكيف يدخل الجنّة وهي الّتي أزلفت له وبه نال رضاءه تعالى عنه؟! وكيف يشفّع في قومه وهو يحمل أوزار نفسه؟! فإذا زالت هذه الأغيار ورفعت الأوزار واخترقت الحجب وأزيلت الأستار ، فحينئذ تحلّت النفس بالمعرفة ، فالتخلية ثمرتها التحلية ، والقرآن الكريم يحرص على إزالة هذه العيوب ورفع هذه الحجب ، قال تعالى : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [سورة ص ، الآية : ٢٦] ، وقال تعالى مخاطبا موسى عليهالسلام : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ