ومن العقل ، قاعدة : «قبح العقاب بلا بيان» ، إذ بعد إحراز الحلّية في المذبوح لا بدّ من الشارع بيان حرمة ما فيه ، وإلّا فالتكليف به قبيح.
وكيف كان ، فهذه القاعدة من المسلّمات الفقهيّة ، وقد خصّصت وخرجت عنها بالدليل في الذبيحة أربعة عشر جزءا ، كلّها محرّمة على المشهور ، وهي : الدم ، والغدد ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، والفرث ، والمثانة ، والمرارة ، والمشمية ، والفرج ، والعلباء ، والنخاع ، وخرزة الدماغ ، والحدقة ، والظاهر أنّ جميعها من الخبائث. هذا في غير الطيور ، وأمّا فيها فتكون خمسة : الرجيع ، والدم ، والطحال ، والمرارة والبيضتين في بعضها.
ولعلّ تمسّك الإمام عليهالسلام بإطلاق الآية الشريفة : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) ؛ لحلّية الجنين وأنّ ذكاته ذكاة امه ؛ لأجل التنبيه على هذه القاعدة وإرشادنا لها ، فعن أبي جعفر (سلام الله تعالى عليه) : «أنّ المراد بقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) أجنّة الأنعام الّتي تؤخذ من بطون أمهاتها إذا أشعرت وقد ذكيت الأمهات وهي حيّة ، فذكاتها ذكاة أمها» ، وتضمّنت هذه الرواية شروط تذكية الجنين من تذكية الام ـ فإذا ماتت بلا تذكية ومات الجنين في جوفها حرم أكله ـ وموت الجنين قبل خروجه من بطن الام ـ فإذا خرج حيّا ومات بلا تذكية حرم ـ وتمام الخلقة بأن يكون قد أشعر أو أوبر ، فإذا فقد أحد هذه الشروط حرم.
وهذه القاعدة لا تجرى في الأجزاء المبانة من الحي ؛ لأنّ قوامها التذكية كما ذكر في عنوانها ، كما أنّها تجري في موارد الشكّ في الأجزاء إن لم يدلّ دليل على الاستثناء ، ولم يحرز أنّها من الخبائث الّتي يأتي تفسيرها في الآية المباركة ، كالكلى واذني القلب مثلا ، ولا فرق في منشأ الشكّ حينئذ والله العالم.
الثالثة : قاعدة كلّية مذكورة في كتاب الحجّ وتختصّ به ، وهي : «لا تحلّ تروك الإحرام إلّا بالإحلال منه» ، ومواطن الإحلال ثلاثة : التقصير ، والهدي ، والطواف ، بلا فرق في الإحرام بين أن يكون للعمرة مطلقا أو للحجّ ، وإن كان الإحلال في الاولى بالتقصير وفي الثاني بالحلق ، على تفصيل مذكور في محلّه ، وتدلّ على هذه القاعدة الأدلّة الثلاثة.