وبالجملة : فإنّ النهي عن هذه الثلاثة قد ذكرت في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم إمّا خصوصا أو على نحو العموم ، ممّا يدلّ على شدّة النهي وعظيم الاعتناء بها ؛ لأنّها أكثر الأفراد شيوعا في المجتمعات ، لا سيما عصر نزول القرآن المجيد.
قوله تعالى : (وَالْمُنْخَنِقَةُ).
تفصيل للميتة وبيان لمصاديقها الّتي حرّمت في الشرع ، والمراد منها كلّ ما لم يذك شرعا ، لقوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) ، بخلاف أهل الجاهليّة وأقوام آخرين كالمجوس ، فإنّهم كانوا يعتقدون أنّ الميتة ما مات حتف أنفه بمرض ونحوه ممّا لم يعرف سببه. وأمّا الأسباب الّتي يأتي ذكرها ، فإنّها كانت عندهم كالذكاة.
والمعروف عن المجوس أنّهم لا يأكلون الذبائح ؛ لأنّ الذبح أذيّة للحيوان ، ويأكلون الميتة بجميع أصنافها الّتي ذكرت ، وممّا ذكرنا يظهر الوجه في اختصاص هذه المصاديق من الميتة بالذكر.
والمراد من المنخنقة ما مات خنقا ، والخنق حبس النفس بأي سبب كان اختيارا من فعل الإنسان أو غير اختياري ، كما إذا وقعت في الماء أو أدخلت رأسها بين خشبتين ونحو ذلك ممّا يوجب زهوق الروح.
والتأنيث هنا وفي الميتة لأنّهما وصف لبهيمة الأنعام.
قوله تعالى : (وَالْمَوْقُوذَةُ).
مادّة وقذ تدلّ على الشدّة في أمر ، يقال : وقذ يقذ وقذا ، وهو شدّة الضرب حتّى تسترخي وتنحلّ قواها ، يقال : فلان وقيذ ، أي : مثخن ضربا ، ومنه الوقذ وهو شدّة المرض المشرف على الموت ، كما أنّ منه وقذة النعاس ، أي : الغالب منه.
والوقذ قبيح عقلا ؛ لأنّه إيذاء للحيوان ، فيكون محرّما شرعا ، وكان أهل الجاهليّة إمّا يخنقون الشاة أو يضربونها بالعصى حتّى تموت ، فإذا ماتت أكلوها وإن لم يسل دمها.