وأحكام ومواثيق بعد نزول براءة كما هو معلوم ، فإنّ سورة المائدة الّتي هي سورة الأحكام نزلت في آخر عهد النبي صلىاللهعليهوآله.
وقيل ـ وهو المعروف بينهم ـ : إنّ المراد به يوم عرفة من حجّة الوداع ، كما ذكره كثير من المفسّرين ووردت به بعض الروايات.
وفيه : أنّه إذا كان المراد به ذلك فما المراد من يأس الّذين كفروا من هذا الدين ، فهل المراد به يأس مشركي قريش من الظهور عليه؟! فهو قد كان في يوم الفتح عام ثمانية للهجرة ، لا يوم عرفة من السنة العاشرة.
أو يراد به يأس مشركي العرب من الظهور على الدين؟! فقد كان عند نزول براءة في السنة التاسعة من الهجرة.
وإن كان المراد به يأس الكفّار جميعهم الشامل لليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة : (الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين ، إذ لم يكن لهم شوكة ومنعة في خارج الجزيرة.
على أنّ المناسب لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أنّ كون الحكم الّذي أنزله الله تعالى له من الأهميّة بمكان بحيث يكون به كمال هذا الدين ، وبه تتمّ النعمة العظيمة ، وبنزوله قد رضي الله سبحانه وتعالى أن يكون الإسلام دينا ومنهاجا أبديّا خالدا إلى يوم القيامة.
وما يمكن أن يقال من الاحتمالات في هذا الحكم النازل في يوم عرفة خمسة :
الأوّل : أن يكون المراد به إكمال أمر الحج بحضور النبي صلىاللهعليهوآله بنفسه الشريفة وتعليمه الناس تعليما قوليّا وعمليّا في آن واحد.
وفيه : أنّ حضوره صلىاللهعليهوآله في الحجّ وإكماله بتشريع الأحكام ، فيه كمال للحجّ فقط لا للدين كلّه وإتمام للنعمة ، فإنّ كلّ حكم إلهي بحدّ نفسه كمال ونعمة عظيمة ، كما ورد في قوله تعالى عند تشريع الوضوء والتيمم : (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ، إلّا أنّ ظاهر الآية المباركة في المقام أنّ ما شرّعه عزوجل من الحكم في هذا اليوم يكون موجبا لكمال الدين كلّه وسببا لانقطاع رجاء الكفّار ، مضافا إلى