إعزازه وظهور الدين كلّه ، فالمراد من اليوم هو يوم عرفة الّتي نزلت فيه هذه الآية الشريفة الّتي بيّنت هذه الأحكام وأبطلت بها سنن الجاهليّة ، وهدم صرح الشرك بالبشارة بغلبة المسلمين وظهورهم على المشركين ظهورا تامّا وعدم الخشية منهم ، فإنّهم يئسوا من إزالة هذا الدين ، فأبدل الله تعالى خوف المؤمنين أمنا وضعفهم قوّة وفقرهم غنى ، فالأجدر بالمسلمين أن يتوجّهوا الى العمل بالأحكام في أمن وأمان ، فلا يبالوا بالكفّار ولا الى قوّتهم ، ولا يخافوهم على دينهم ولا على أنفسهم.
ويرد عليه ما أورد على سوابقه ، مضافا الى أنّ التدريج في المقام ليس كالتدريج في آيات الخمر ، فإنّ هذه الآية المباركة لم تأت بحكم جديد ، إضافة الى ما ورد من التحريم في سورة البقرة والأنعام والنحل ، إلّا أنّ في المقام شرحا للميتة ببيان أفرادها ، فإن أريد من التدريج خوفا من امتناع الناس عن قبول هذا المعنى ، فهو غير وجيه ، إذ أنّ هذه المحرّمات ذكرت في غير موضع واحد.
على أنّ تشريع حكم واحد مثل هذا الّذي ورد في الآية الكريمة ، وإن كان كمالا في حدّ نفسه وتماما للنعمة ، لكنّه لم يكن كمالا للدين كلّه ـ كما عرفت ـ كما هو شأن بقية الأحكام الإلهيّة الّتي شرّعت في أوقات متعدّدة ، فلم يرد فيها مثل ما ورد في ما شرّعه الله تعالى في هذا اليوم بأنّه كمال للدين وإتمام للنعمة العظيمة ، وأنّه سبب لا لإيئاس الكفّار من هذا الدين ، وأنّ به رضا الله تعالى أن يكون الإسلام دينا الى يوم القيامة.
الخامس : أن يكون المراد بإكمال الدين هو سدّ باب التشريع ، فلم ينزل حكما آخر بعد نزول هذه الآية في يوم عرفة.
وفيه : أنّه لم ينسد باب التشريع عند نزول هذه الآية الشريفة في هذا اليوم كما عرفت مكرّرا ، فقد شرّعت أحكام كثيرة بعدها أيضا.
والحقّ أن يقال : إنّ الدين مجموعة قوانين ونظم وتوجيهات وإرشادات قيّمة تعدّ الإنسان إعدادا علميّا وعمليّا وعقائديّا للوصول الى الكمال اللائق به في الدارين ، وتكون سببا في سعادته ، وهي وإن كانت مجموعات وأحكاما متعدّدة ، إلّا