وهو غائب لم يقدر على حفظه من كيدهم ، وهذا هو الّذي كان يخشى المؤمنون منه أيضا ، فلا بدّ من تشريع يزيل هذا النقص منه وتكميله بإنزال حكم يثبت دعائمه إلى الأبد ، مع العلم بأنّه دين أبدي لا يكون بعده دين أو تشريع آخر ، فيكون هذا التشريع والحكم الإلهي له من المميزات ما يفوق به على أي تشريع آخر ، فإنّه يزيل الخشية عن المؤمنين من كيد الكافرين ، فلا يخاف منهم ، وبه يكمل هذا الدين وتثبت دعائمه الى الأبد ويؤمن من كيد أعدائه ومكرهم وخدعهم وأباطيلهم ، وهو من النّعم العظيمة على المؤمنين في حفظ دينهم من الضياع ، وبه رضى الله عزوجل أن يكون الإسلام دينا أبديّا ومنهاجا خالدا ، فأيّ تشريع عظيم هذا يكون سببا لرضائه تعالى به دينا كاملا ، فهو تبارك وتعالى كان راضيا بهذا الدين قبل ذلك ولكنّه الآن رضي أن يكون دينا كاملا وتامّا لا يخشى المسلمون من أعدائه ، فهو باق ببقاء الدهر محفوظا من كيدهم ومكرهم ، فلا يخافهم المؤمنون لا على دينهم ولا على أنفسهم.
ومن ذلك يعلم أنّ المراد من اليوم في المقام هو المقطع الخاصّ من الزمان الّذي شرّع فيه هذا الحكم الإلهي العظيم ، فلا يختصّ بخصوص يوم عرفة أو قبله أو ما بعده حتّى ارتحاله صلىاللهعليهوآله ، فإنّ لهذا التشريع مقدّمات ومعدّات لم تكن في غيره لأهمّيّته ، فهو يختلف عن سائر الأحكام والتشريعات كما عرفت.
وبه يمكن أن يجمع بين الأقوال ، فإنّ لكلّ واحد منها دخلا في هذا التشريع بنحو من الأنحاء ، وسيأتي في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) بعض الكلام إن شاء الله تعالى.
ويشهد لما ذكرنا امور :
منها : أنّ سياق قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ) يدلّ على تفخيم أمر هذا اليوم وتعظيم شأنه ، لما في تقديم الظرف وتعلّقه بقوله تعالى : (يَئِسَ) من الدلالة على ذلك كما هو معلوم ، ولعلّ السرّ في ذلك هو