أنفسهم ، بل يجب عليهم أن يخافوا الله تعالى وحده ، فإنّه العزيز القادر على كلّ شيء ، بل المؤمن لا يخاف غيره جلّ شأنه ، كما يشعر به التعليل في ذيل الآية المباركة.
وأمّا آية المقام ، فإنّها لا تنهى عن الخشية منهم إلّا بعد تشريع حكم خاصّ أوجب يأس الأعداء وانقطاع رجائهم عن نيل هذا الدين ، فحينئذ لا بدّ أن تكون خشيتهم عن الله فقط ، فهي لا تنهى عن الخشية مطلقا كما نهت الآية الاخرى عن الخوف ، بل لأجل أنّه لا موجب للخشية بعد اليأس ؛ ولذا كان الحكم تكوينيّا لا تشريعيّا.
ومن جميع ذلك تعرف عظمة هذه الآية الشريفة وأهميّتها ، وأنّها تؤذن بأنّ هذا الدين في أمن وأمان من ناحية الّذين كفروا بعد ما يئسوا من النيل منه ، فلا يتطرّق إليه ما يوجب الخطر عليه أو فساده إلّا من ناحية المسلمين أنفسهم بترك العمل بالأحكام الإلهيّة والإعراض عن التوجيهات الربوبيّة ، فإذا تغيّروا تغيّر الله تعالى عليهم ، فإنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فقد يسلب منهم التوفيق ، ويزيل النعمة ، ويذيقهم لباس الخوف والجوع كما حكي عزوجل في عدّة مواضع من القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) [سورة النحل ، الآية : ١١٢] ، فحينئذ تنحصر الخشية من الله فقط في أن يسلب منهم النعمة العظيمة إذا تغيّر المؤمنون ورفضوا العمل بتعليمات هذا الدين ، وقد حذّر الله تعالى العباد عن نفسه في عدّة مواضع من الكتاب الكريم إذا لم يتولوا الله عزوجل والرسول في جميع أمورهم.
قوله تعالى : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ).
الخشية : هي الخوف والحذر مع التعظيم ، والغالب فيها عن علم ومعرفة ؛ ولذا قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [سورة فاطر ، الآية : ٢٨] ، وقال