أنفسهم ويسلب هذه النعمة العظيمة عنهم إذا لم يطيعوا الله تعالى في تشريعاته وأحكامه وتوجيهاته.
ومادة (كمل) تدلّ على الوفاء والتمام ، وكمل الشيء إذا حصل ما هو الغرض منه ، وذكر العلماء أنّ الإكمال والإتمام متقاربا المعنى. ولكن التتبع في موارد استعمالاتهما يفيد بأنّهما مختلفان ، فقد يستعمل التمام والإتمام في مورد لا يصحّ استعمال الإكمال فيه أو بالعكس ، فإنّ الإتمام يستعمل في ما إذا كان للشيء أجزاء وشروط وقد تحقّقت جميعها ، بحيث لو فقد واحد منها لم يترتّب عليه أثره أو الغرض الّذي سيق له ، قال تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٧] ، فإنّ الصيام إنّما يوصف بالتمام إذا لم يختل شروطه ، فلو أختل واحد منها ولو في جزء من النهار ، فإنّه يفسد.
وأمّا الإكمال ، فإنّه يستعمل في ما إذا كان للشيء أجزاء ولكلّ جزء أثره الخاصّ المترتّب عليه ، فلو حصلت جميع تلك الأجزاء لتحقّقت جميع تلك الآثار المطلوبة ، وإلّا فيتحقّق جزء من مجموع الأثر ، فالاختلاف بين المادّتين (الإتمام) و (الإكمال) كالاختلاف بين العامّ المجموعي والعامّ الإفرادي المعروفين في علم الأصول. قال تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٦] ، فإنّ لكلّ واحد من تلك العشرة أثره المطلوب ، فإذا تحقّقت كاملة حصلت جميع الآثار المطلوبة ، وإلّا فيتحقّق الأثر الخاصّ المترتّب على الجزء المأتي به فقط ، وقال تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٥] ، فإنّ الأثر يترتّب على البعض كما يترتّب على الكلّ ، كلّ بحسبه ، فهذا هو الفرق بين المادّتين اللتين اجتمعتا في هذه الفقرة ، فإنّ الاولى تدلّ على أنّ هذا الدين مجموعة معارف وأحكام ، وقيم ، وتوجيهات ، فكلّ واحد منها كمال في حدّ نفسه ، ولكن أضيف إليها أمر في هذا اليوم أصبح به الدين كاملا لا يمكن أن ينال ذلك الأثر العظيم المترتّب على هذا الدين إلّا بتنفيذه ، فهو المكمّل لها ، كما أنّ النعم الإلهيّة وإن كانت كثيرة في هذا الدين ، ولكنّها تمّمت بهذا