الأمر الّذي شرّعه عزوجل في هذا اليوم ؛ فلذا ارتضى جلّ شأنه هذا الإسلام دينا تامّا كاملا لا يعوزه شيء آخر ولا يحتاج الى مكمّل ، وسيبقى مدى الدهر يقاوم الصعاب ويصمد أمام كلّ صروف الزمان ، لا يثنيه تشكيك المبطلين ولا زيغ الزائغين الضالّين.
وأمّا النعمة ، فهي عبارة عمّا يلائم طبع الشيء من غير امتناعه منه ، وهي من الإمدادات الربوبيّة للإنسان يتصرّف فيها في سبيل سعادته الحقيقيّة ، وقد كثر ورودها في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [سورة إبراهيم ، الآية : ٣٤] ، وذلك لحكم كثيرة ، منها الإعلام بأنّها من شؤون ربوبيّته العظمى لخلقه ، وتذكيرا للمنعم عليه بالمنعم ليشكره على ما أنعم ، وإرشادا له بإيفاء حقّ النعمة ، وبيانا بأنّ نظام التدبير قائم بها على نحو تكون بينها وحدة مترابطة متكاملة.
وهي بحدّ نفسها توصف بالخير والحسنة ؛ لأنّها توافق الغرض الإلهي الّذي خلق من أجله الإنسان ، قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٦] ، فكلّ ما أوجب التقرّب إليه عزوجل وابتغاء مرضاته والتعبّد لديه تكون نعمة ، وإلّا كانت نقمة وشرّا. ولعله لأجل ذلك وصف سبحانه وتعالى بعض النّعم الإلهيّة في القرآن الكريم بصفات غير محمودة ، قال تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٧٨]. كما وصف عزوجل الدنيا الّتي هي من أهمّ النعم الربوبيّة بأنّها متاع قليل ، قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩٧] ، وقال تعالى : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٤]. وإنّما وصفها عزوجل بتلك الأوصاف لأنّها لم تستغل من قبل الإنسان في الغرض الّذي عيّنه خالقها لأجله ، وهو الدخول في ولايته عزوجل بالعمل بوظائف العبوديّة.