وذيل الآية الشريفة : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) يدلّ على تشديد الأمر في الموعود الّذي وعده عزوجل.
هذه خلاصة ما يمكن أن يستفاد من هذه الآية المباركة بضميمة ما ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة.
ومن ذلك كلّه تعرف أنّ ما ذكره بعض المفسّرين والعلماء في تفسيرها إنّما هو بعيد عن سياقها.
قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ).
عود الى صدر الكلام الّذي حرّم جملة من أصناف الميتة ، وبيان لحكم ثانوي اضطراري ، والاضطرار : افتعال من الضرر ، والمراد به الوقوع في الضرورة.
والمخمصة : المجاعة الّتي تورث خمص البطن وضموره ، بحيث يخاف معها الموت ، أي : فمن وقع في ضرورة من مجاعة تعرض للإنسان تلجأه الى تناول شيء من المحرّمات المتقدّمة ، فلا إثم عليه.
قوله تعالى : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ).
الجنف : الميل والانحراف ، وتقدّم الكلام في اشتقاق هذه الكلمة في قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٣] ، وفي الحديث : «إنّا نرد من جنف الظالم مثل ما نرد من جنف الموصي».
والمراد به عدم تجاوز الحدّ عن ما يوجب رفع الضرورة والأكل زائدا على ما يمسك به رمقه ويسكن به ألم جوعه ، فإنّ التجاوز عنه يكون إثما ؛ لأنّ الضرورات إنّما تتقدّر بقدرها ، ويبيّن المقام قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، أي : غير طالب له ولا متعدّ في الأكل ومتجاوز عن قدر الضرورة ، وقد تقدّم في سورة البقرة ما يتعلّق بذلك.
والآية المباركة تدلّ على أنّ الأحكام الثانويّة إنّما تتحدّد بقدر الضرورة الّتي أوجبت تشريع الحكم ، فإذا ارتفعت يرتفع ذلك ، كما هو مفصّل في كتب اصول الفقه.