مؤتفك يدّعي معرفة الله تعالى ويتعبّده بصورة من التعبّد.
وهذه الآيات الشريفة تفصل بين الفئات الزائغة عن الإيمان المفارقة لمجتمع المؤمنين المدّعية عليهم بالأباطيل والمستهزئة بهم استهزاءهم بالحقّ ، والموالية للكافرين ، وبين الصادقين في الإيمان وأهله. وتشدّد الأمر عليهم تشديدا وثيقا ، وتذكّر الكافرين المعاندين وتصنّفهم إلى أصناف متعدّدة ، فيذكر عزوجل ابتداء الكافرين الّذين ضلّوا ضلالا بعيدا والرادّين على الله عزوجل والرسول ، ويبيّن جلّ شأنه حالهم وجزاء أعمالهم وحرمانهم عن ما تقتضيه فطرتهم الصافية ، فلم يهتدوا سبيلا.
ثم يذكر صنفا آخر ، وهم المنافقون الّذين يوادّون الكافرين ويوالونهم دون المؤمنين ، فيظهرون الإيمان ولكنّهم يبطنون الكفر ، ثم يصفهم وصفا دقيقا ليتحرّز المؤمنون عنهم ، فيجتنبوا عنهم فلا يتّصفوا بصفاتهم.
كما حذّرهم عن القعود مع الكافرين والمنافقين الّذين يكفرون بآيات الله تعالى ويستهزئون بها ؛ لئلّا يفسد إيمانهم فيدخلوا فيهم ويشاركوهم في الجزاء ، وقد حذّرهم عزوجل عن ذلك بأسلوب رفيع يجعلهم يحسّون بما يلاقونه من المكروه من أوّل الأمر ، فإنّهم إن لم يحسموا أمرهم منذ الخطوة الاولى لوقعوا في الهاوية.
وقد ذكر جلّ شأنه المحكّ الحقيقي للإيمان وهو التوبة ، والرضا والتسليم ، والإخلاص لله تعالى والاعتصام به ، ووعدهم الأجر العظيم ، ثم نبّههم إلى حقيقة واقعيّة ، وهي أنّ الله غني عن عذابهم ، فلا يعذبهم إن هم آمنوا وشكروا ربّهم وعملوا الصالحات.
وهذه الآيات المباركة هي من الآيات المعدودة في القرآن الكريم الّتي تذكر صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين بأوصاف دقيقة ، وتشرح الإيمان شرحا وافيا. ويمكن تسميتها بحقّ آيات الإيمان ، وفيها وقفات دقيقة تسترعي الانتباه لا بدّ من التأمّل فيها حقّ التأمل إذا كان المرء يطلب الحقّ ويريد تصحيح إيمانه وعقيدته.