التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً).
بيان للآية السابقة ، وشرح لحال من ضلّ ضلالا بعيدا ، ويبيّن تعالى حقيقة الردّة وأحوال أهلها ، فإنّ الردّة هي الذبذبة في الإيمان وعدم الاستقرار فيه ، والمرتد من يدعي الإيمان ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر ثم يزداد في الكفر والطغيان ، فلم يستقر الإيمان في قلوب أهل الردّة ، ولم يصدر منهم صدورا جديّا ، بل يتلاعبون به ويستهزئون أمر الله تعالى فيه ، ولأجل تكرار الردّة منهم وذبذبتهم في الأمر كان الجزاء عليهم عظيما موافقا لطبيعة عملهم ونفسيتهم المتردّدة وتماديهم في الكفر ، وهو حرمانهم من رحمة الله تعالى وعدم مغفرته لهم وعدم اهتدائهم سبيلا لاستكمال أنفسهم. هذا إذا لم يصدر منهم التوبة فيؤمنوا إيمانا جدّيا وإلّا فتشملهم المغفرة والرحمة ويقبل الله تعالى توبتهم ؛ لأنّ التوبة تشمل جميع الذنوب كما عرفت ذلك في بحث التوبة ، وإن كان مثل هؤلاء المتمادين في الكفر لم يوفقوا إلى الإيمان والتوبة ولانقطاع سبل الهداية عنهم ، كما أخبر عزوجل في قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٨٦ ـ ٩٠].
وظاهر الآية الشريفة قبول توبتهم إذا كانت عن صدق ، وأصلح ما أفسده بالكفر والردّة ، ولكنّها تدلّ على عدم قبول التوبة ممّن ازداد كفرا بعد الإيمان. والسبب في ذلك أنّ الردّة إن كان عن جحود وعناد وازدياد في الكفر ، لا يكون إلّا عتوا واستكبارا عن قبول الحقّ ، فلا يتحقّق فيه الرجوع إليه تعالى ، فمن كان هذا