من سفك الدماء وركوب الزنا ، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك ، والخمر لم يورد شاربها إلّا الى كلّ شرّ».
أقول : تدلّ هذه الرواية ـ مع قطع النظر عن السند ـ على امور :
الأوّل : أنّ سؤال الرواة عن بعض الحكم للأحكام مع أنّ الحكم فطري وعقلي لا ينافي الفطريّة كما في المقام ، فإنّ سؤاله عن العلل في الحرمة للأمور المذكورة لا ينافي أن يكون قبح أكلها فطريا تتنفّر الطباع السليمة البشريّة عنها كما تقدّم ؛ لأنّ الفطرة المستقيمة قد تخمد وتضيع ، وأنّ الأنبياء والأولياء عليهمالسلام يخرجونها عن خمودها ويبرزونها عن خفائها ، فإنّ المشرّع الّذي هو غني في ذاته وصفاته ، لا حاجة له فيما شرّع ، وإنّ المصالح والمفاسد ترجعان بالآخرة الى المكلّف.
الثاني : أنّ الحكم والمصالح أو المفاسد الّتي وراء الأحكام قد تظهر في هذا العالم ـ حسب سيره بأطواره ، وأدواره ، ومراحله ـ أو في عالم البرزخ أو في عالم الآخرة ، وفي الأخيرين لا محيص الى ذلك إلّا بالوحي ؛ لأنّ سلطان العلم مقهور فيهما.
وقد تكشف العلوم الحديثة عن بعض الحكم الّتي وراء الأحكام ، إلّا أنّها محدودة ، فقد تكون الحكمة في تشريع الحكم أوسع وأسمى ممّا كشفتها ، فإنّها نظريات محدودة قد لا يقتنع بها علماء آخرون ، ومن هنا قال بعض العلماء : «إنّ حكم التكاليف هي في غاية الخفاء ، لا يمكن دركها إلّا بدليل شرعي فقط».
وكيف كان ، فما ورد من الشرع في بيان حكم التكاليف ممّا لا شكّ في واقعيتها وصحّتها ، وما خفيت علينا كانت لمصالح لعلّ منها حفظ الانقياد ، وصون العبوديّة عن الخلل.
الثالث : أنّ ما ذكر فيها من الحكم إنّما هو من باب الغالب لا من باب الاستقصاء الكامل. ومن هنا لا وقع للإشكال بأنّ ما ذكر من الحكم فيها كضعف البدن ، ونحولة الجسم ، وانقطاع النسل ، وغيرها ممّا يمكن رفعها بغذاء أو دواء آخر ؛