حاله كيف تقبل توبته؟! بل لا يوفّق إلى التوبة أصلا.
وقد ذكر المفسّرون في بيان معنى الآية المباركة وجوها لا تخلو بعضها عن المناقشة ، ولكن يمكن إرجاع جميعها إلى شيء واحد ، وهو ما ذكرناه من عدم استقرار أهل الردّة على الإيمان وعدم الثبات فيه والتذبذب في الاعتقاد ، ويتّبعون الأهواء الباطلة ويطلبون المنافع والمصالح ، فطبع الغي والطغيان على قلوبهم ، واستقرّ الاستكبار واللجاج في نفوسهم ، فلم يهتدوا سبيلا ؛ لأنّ بصائرهم عميت عن الحقّ ، وانقطع المدد الربوبي عنهم ، وانطفأ نور الفطرة فيهم ، فلا يرجى لهم الاهتداء وقد خسروا خسرانا مبينا.
وممّا ذكرنا ظهر وجه النقاش في ما ذكره بعضهم من أنّ المراد من الآية الكريمة هو أنّ الّذين آمنوا بموسى عليهالسلام ثمّ كفروا به ، ثم آمنوا بعيسى عليهالسلام ثمّ كفروا به ثمّ ازدادوا كفرا لعدم إيمانهم بمحمّد صلىاللهعليهوآله ، فإنّه يرجع إلى ما ذكرناه ، إلّا أنّه ذكر مصداقا لما قلناه.
وفي قوله تعالى : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) كمال البعد عن الحقّ وتماديهم في الغي ، وإصرارهم على الطغيان ، وانسهم بالكفر وانهماكهم فيه ، ومن آثاره كفرهم بمحمّد صلىاللهعليهوآله مع وضوح الحقّ فيه.
قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً).
لأنّ ذلك من الأثر الوضعي لما ازدادوا في غيهم وكفرهم ، ومن باب ترتّب المسبّب على السبب ، نتيجة لأعمالهم الباطلة وعقائدهم الفاسدة ، فإنّ انهماكهم في الكفر وانسهم به واستقرار العناد والعتو في قلوبهم ، كلّ ذلك يستدعي حرمانهم عن الرحمة الإلهيّة ، فلم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا يفضي إلى التقرّب إليه عزوجل والدخول في رحمته تعالى ، ونفي المفغرة والهداية إنّما ثبت لعدم وجود المقتضي لهما ، وهو الإيمان الخالص المستقرّ في القلوب ، وهذا وإن كان مطلقا إلّا أنّه لا يأبى الاستثناء لو تحقّقت الاستتابة واتّفق الإيمان الواقعي والاستقامة عليه ، كما عرفت آنفا.