قوله تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).
بيان لحال طائفة اخرى زائفة ، وهم المنافقون الّذين يتظاهرون بالإيمان ويبطنون الكفر والعناد وتهديد لهم. وتبيّن الآية الكريمة وجه النفاق فيهم والوصف الّذي جعلهم من المنافقين.
والبشارة مأخوذة من البشرة ، أي : انبساط بشرة الوجه وطلاقته إذا اخبر الإنسان بما يسرّه ، كما أنّ السرور مأخوذ من انبساط أساريره ، وغالب استعمالهما في الأخبار بما يسرّ ، وقد يستعملان في غيره تهكّما كما في المقام ، ففي الكلام استعارة تهكّمية استعملت فيها (بشّر) موضع (أنذر) تهكّما بهم.
وعن الفرّاء إذا ثقّل (بشّر) فمن البشرى ، وإذا خفّف (بشر) فمن السرور. وفي حديث عبد الله بن مسعود : «من أحبّ القرآن فليبشر» ، أي : فليفرح وليسرّ ، وهو كناية عن خلوص الإيمان.
وقيل : إنّ البشارة تستعمل فيما يسرّ ويسوء استعمالا حقيقيّا ، فلا استعارة حينئذ ؛ لأنّ أصلها الإخبار بما يظهر أثره في بشرة الوجه ، سواء كان انبساطا أو انقباضا.
وكيف كان ، ففي الآية الكريمة تهديد للمنافقين بأنّ لهم عذابا شديد الألم.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
تعليل لاتّصافهم بصفة النفاق واستحقاقهم للعذاب الأليم ، أي : أنّ المنافقين هم الّذين يتّخذون الكافرين المعاندين أولياء يحبّونهم ويقتدون بهم ، تاركين ولاية المؤمنين الّذين أمر الله تعالى بموالاتهم والدخول في جماعتهم واتخاذ سبيلهم.
والنفاق له مراتب كثيرة قد بيّنها عزوجل في كتابه الكريم في مواضع متعدّدة ، وبعضها أشدّ من الكفر ، ولقد كان خطره على الإسلام كبيرا وشديدا.
وابتلى المؤمنون بالمنافقين من صدر الإسلام ، وفي المقام يبيّن عزوجل مرتبة من تلك المراتب وهي موالاة الكافرين أعداء الدين والانقطاع عن جماعة المؤمنين ، وقد كانت مثل هذه الطائفة الّتي كانت تتصل بالكافرين باطنا موجودة