ويستفاد من ذلك أنّ حلّية الطيبات عقليّة لا شرعيّة ، كما أنّ إطلاق الحلّية في المقام يشمل جميع ما يفهم العرف من هذه الكلمة.
ثمّ إنّ المنطوق يدلّ على حلّية جميع الطيبات ، وأمّا المفهوم فهو يدلّ على حرمة الخبائث ، فيكون ما ذكره عزوجل في الآية السابقة من الخبائث الّتي تعوفها الطبائع السليمة.
قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ).
عطف على الطيبات بتقدير مضاف ، وتكون (ما) موصولة ، أي احلّ لكم صيد ما علمتم من الجوارح بشروطه.
ويحتمل أن تكون (ما) شرطيّة وجوابها (فكلوا) ، والجملة عطف على جملة ، فلا يحتاج الى تقدير.
والجوارح : جمع جارحة ، والهاء فيها للمبالغة ، وهي صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف إلّا قليلا ، واشتقاقها إمّا من قولهم : جرح فلان أهله ، إذا أكسبهم ، وفلان جارحة أهله أي : كاسبهم ، سمّيت بذلك لأنّ أربابها يكسبون بصيدها.
أو لأنّها تجرح الصيد غالبا ، فإنّ الصوائد من السباع يجرحون صيدهم بمقتضى الطبيعة السبعيّة المخلوقة فيها.
والجوارح : هي الكواسب من الطير ، والبهائم ، كالصقر ، والبازي والكلاب ، والفهود.
و (مكلّبين) بالتشديد اسم فاعل من التكليب ، وهو تعليم الكلاب وتأديبها للصيد ، وغلّب ليشمل جميع الجوارح ، أو لأنّ كلّ سبع يسمّى كلبا ، ففي الحديث : «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك» دعاء منه صلىاللهعليهوآله على لهب بن أبي لهب.
وقيل : إنّه مشتقّ من الكلب (بالتحريك) ، بمعنى الضراوة والحرص ، وهو يرجع الى الأوّل أيضا ، فإنّ تعليم الكلاب للصيد لا بدّ أن يكون بالتأديب والإغراء بالصيد.
وكيف كان ، فإنّ اشتقاق هذه الكلمة يدلّ على أنّ أصلها تعليم الكلاب