داخل في أصالة الإباحة ، إلّا أن يقال بالحظر في الأشياء ، فتكون الإباحة شرعيّة لا محالة. وسياق الآية الشريفة يفيد الامتنان كما يأتي في البحث العرفاني.
وإطلاق الطيبات يشمل جميع ما تستطيبه النفوس السليمة ، والمتيقن منها ما ورد في الكتاب العزيز ، على ما عرفت آنفا.
وسبق الكلام في (اليوم) ، وإنّما ذكره عزوجل في المقام لمزيد المنّة على المؤمنين أن أحلّ لهم الطيّبات وأبعدهم عمّا يوجب الضرر عليهم.
قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ).
بيان لأحد أفراد الطيّبات لبعث الطمأنينة في قلوب المؤمنين ورفع الشكّ عن نفوسهم بعد أن أمروا بالابتعاد عن الكافرين ونهوا عن موالاتهم ومخالطتهم ومعاشرتهم ، فاحتملوا شمول النهي لطعامهم أيضا ، فأتى تحليل الطيبات بقول مطلق ولم يرفع الشكّ الّذي كان يساورهم بالنسبة الى طعام أهل الكتاب ، ثمّ خصّه عزوجل بالذكر لإيجاد الطمأنينة ورفع الشكّ برفع الحرمة يقينا ، وكذا الكلام في قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، وعرفت آنفا أنّ إحلال طعامهم لنا وإحلال طعامنا لهم إنّما هو حكم إرشادي ؛ لا أن يكون شرعيّا. وحينئذ لا جدوى في القول بأنّ قوله تعالى كلام واحد ذو مفاد واحد ، أو لم يكن كذلك؟ مع أنّ الظاهر أنّه واحد يتضمّن حكما عقليّا ، كما عرفت.
وما ذكره أولى ممّا قيل : من أن! الآية الشريفة ليست في مقام تشريع حكم الحلّ لأهل الكتاب وتوجيه التكليف إليهم ؛ لأنّ الكفّار غير مؤمنين بالله ورسوله وبما اوحي إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله ولم يطيعوه في تشريعاته المقدّسة ، فيكون الخطاب معهم لغوا وبلا فائدة ، وينزّه الحكيم عن مثل ذلك.
ويرد عليه أنّ في التكاليف الإلهيّة حكم ومصالح لا تتوقّف على عمل المكلّفين وطاعتهم فحسب ، إذ كم من حكم إلهي وتكليف ربّاني لم تعمل به الامة كما هو المشاهد المحسوس ، فقد تكون المصلحة اختيار المكلّفين وامتحانهم وغير