ذلك ، ولعلّ النكتة في المقام هي دفع دخول طعام أهل الكتاب في المحرّمات من حيث كونها مصاحبا لمن حكم بكفره ، ونجاسته ، وخبثه ، وقذارته.
أو لرفع التنافر والتباغض بين الطائفتين المؤمنة والكافرة بعد بسط الإسلام ، ومع أنّه يمكن أن يراد من قوله تعالى : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) حلّية بذل الطعام لهم بالبيع ونحوه من المعاملات وغيرها.
ثمّ إنّ الطعام في الأصل يطلق على كلّ ما يذاق ، ويؤكل ، ويقتات ، وقد وردت هذه المادّة مكرّرا في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥٣] ، أي : إذا أكلتم ، وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٩] ، أي : لم يذقه ، وقال تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٩٣]. وهو يشمل كلّ ما يقتاته الإنسان ، فالعموم يشمل ذبائح أهل الكتاب كما يشمل غيرها من الأطعمة.
لكن ذكر أهل اللغة أنّ الطعام قد يطلق ويراد به البر خاصّة ، بل لعلّه المتبادر إذا اطلق ، ولهذا ورد في جملة من الروايات المروية عن ائمة أهل البيت عليهمالسلام أنّ المراد من الطعام في الآية المباركة هو البر وسائر الحبوب والفاكهة ، غير الذبائح الّتي يذبحونها ، فإنّها إمّا غير قابلة للتذكية ـ كالخنزير ـ أو ما يقبلها ولكن لا تتوفّر فيها شروط التذكية الإسلاميّة ، وهذا هو المخصّص لعموم الطعام لو كان له عموم يشمل غير الحبوب ، فيكون وجه اختصاصها بالذكر مع دخولها في الطيبات هو دفع توهّم دخولها في المحرّمات ؛ لأنّها مصحوبة لمن حكم بكفره ونجاسته وقذارته.
ومن ذلك يظهر فساد ما ذكره جمع في الآية الشريفة من أنّ الحكمة إنّما تظهر في حلّية الذبائح دون غيرها ؛ لأنّه لم يختلف أحد في حلّه ، فإنّ هذه الحكمة خلاف الحكمة كما عرفت ، ويشهد لذلك امور :