الأوّل : أنّ الكفّار وصفوا في القرآن الكريم بأوصاف كثيرة تدلّ على خبثهم وقذارتهم ورجسهم ، ويكفي اتّصافهم بالكفر الّذي هو أم الرذائل والخبائث ، وليس من الحكمة تحليل ذبائحهم الّتي تتّصف بالخبث أيضا ، وقد ذكرنا في الآية الكريمة السابقة أنّ الطعام له الأثر الكبير في النفوس.
الثاني : أنّ الله تبارك وتعالى ذكر في آيات عديدة محرّمات الطعام ووصفها بأوصاف متعدّدة ـ كالرجس ، والفسق ، والإثم ـ وليس من المعقول أن يحلّل سبحانه ما وصفه رجسا ، وفسقا ، وإثما ويدخلها في الطيبات.
إلّا أن يقال بالنسخ ـ ولم يعرف له وجه ، فإنّ الآيات الشريفة في سورة المائدة ناسخة غير منسوخة.
الثالث : ما ورد في بعض الأخبار تعليل تحريم ذبائحهم بقولهم عليهمالسلام : «والله ما استحلّوا ذبائحكم ، فكيف تستحلون ذبائحهم؟!».
الرابع : أنّه لم يذكر اسم الله تعالى على ذبائحهم ، وقد قال تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [سورة الانعام ، الآية : ١٢١].
الخامس : أنّ حلّية ذبيحة الكتابي موضع النزاع والخلاف حتّى عند العامّة أيضا ، فلو كان للآية المباركة عموم يشمل ذبائحهم لما كان وجه للنزاع فيها.
وممّا ذكرنا يظهر وجه الضعف في ما ذكره بعض المفسّرين في الردّ على من يقول بأنّ المراد من الطعام الحبوب. بأنّه لا دليل لتخصيص العامّ بالحبوب ، مع أنّه موضوع للعموم ، واستشهد بجملة من الآيات الشريفة. فإنّ أئمة اللغة ذكروا بأنّ الطعام خاصّة وضع للبر ، دون سائر مشتقاته الّتي استدلّ بها لإثبات مراده. بل لعلّه المتبادر منه حيث اطلق ، مضافا إلى أنّ الأخذ بالعموم في مورد لأجل قرائن خاصّة لا تصير دليلا في المقام كما عرفت آنفا.
قوله تعالى : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ).
الحلّ : هو الحلال ، والمراد من الضمير في (لهم) هم أهل الكتاب ، أي : اليهود والنصارى والمجوس ، وقد اختلف العلماء والمفسّرون في تفسير هذه الآية