الشريفة ، فذهب جمع كثير الى أنّ الخطاب فيها للمؤمنين ، أي : لا جناح عليكم أيّها المؤمنون أن تطعموا أهل الكتاب من طعامكم.
وردّ : بأنّه يستلزم استعمال الطعام بدل الإطعام ، وهو باطل إلّا بضرب من التوسّع ، ولا يمكن القول به هنا ؛ لأنّه ورد الفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ وهو ممتنع.
ولكن ، يمكن الجواب عنه بأنّه لا بأس به إذا كان فيه غرض صحيح أدبي.
وقيل : إنّ الآية المباركة بيان لنا لا لهم ، أي : أنّ الّذي كان محرّما عليهم ممّا هو حلال لكم ، قد أحلّ لكم أن تطعموهم.
وبعبارة اخرى : أنّ الطعام الّذي حلال لكم هو حلال لهم أيضا ، فالآية الكريمة في مقام بيان حكم وضعي ، لا حكم تكليفي.
ويرد عليه بأنّه مجرّد احتمال يحتاج الى دليل. وقيل : غير ذلك ممّا هو بعيد عن سياق الآية المباركة.
والحقّ أن يقال : إنّ الله تبارك وتعالى لما أحلّ للمؤمنين طعام أهل الكتاب بعد أن نهاهم عن موالاتهم ومعاشرتهم ؛ لأنّهم كانوا على عداء شديد للإيمان وأهله ، فكان المؤمنون يحترزون عن المعاملة مع الكفّار ومؤاكلتهم ومعاشرتهم حتّى نزول هذا الحكم الامتناني التسهيلي ، حيث أباح للمؤمنين طعام أهل الكتاب ، فكان ذلك من ناحية المؤمنين ، وقد أتمّ عزوجل النعمة والامتنان بأن رفع الحظر عن طعام المؤمنين لأهل الكتاب ، فأباح للأخير ما هو محلّل في الشريعة الإسلاميّة وإن كان محرّما في الشرائع الاخرى ، فأجاز للمؤمنين بيع الطعام لهم.
والآية الشريفة تشير الى معنى دقيق ، وهو رفع الحصار الّذي كان مفروضا من الطرفين بالشروط الّتي قرّرتها الشريعة الإسلاميّة ، فأباح عزوجل طعام كلّ طرف للطرف الآخر بعد أن كان محظورا لمصالح خاصّة. إلّا أنّ الحلّية لم تكن مطلقة بحيث تؤثّر على كيان المسلمين وتهدم شخصيتهم الإيمانية وتفسد قلوبهم