والمراد من المؤمنات مطلق المسلمات إلّا ما ورد دليل خاصّ على تحريم زواج طائفة خاصّة منهن ، كما هو مذكور في الفقه.
قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
حكم امتناني مبنيّ على التخفيف والتسهيل في رفع حرمة نكاح المحصنات من نساء الّذين أتوا الكتاب.
والمراد من الّذين أوتوا الكتاب هم الطوائف غير المشركين والوثنيّين الّذين أحلّ الله تعالى لنا طيّبات طعامهم ، وإنّما وصفهم باوتوا الكتاب إيماء إلى أنّهم أهل كتاب كما أنّكم كذلك إلّا أنّهم قبلكم ، فيفيد كمال القرب بين الطائفتين والمزج والتشريك بينهما.
وقد اختلف العلماء والمفسّرون في المراد من هذه الآية الشريفة ، فقيل : إنّها تدلّ على حلّية نكاح الكتابيّات مطلقا وإن كنّ حربيّات ، كما هو مقتضى الإطلاق.
وقيل : إنّها تختصّ بالذميّات ؛ لقوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المجادلة ، الآية : ٢٢] ، والنكاح مقتض للمودّة ؛ لقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم ، الآية : ٢١].
وردّ بأنّ ذلك يوجب الكراهة لا الحرمة ؛ أخذا بالإطلاق مع قطع النظر عن طروّ عناوين اخرى.
وقال بعض أصحابنا : إنّ الآية المباركة منسوخة بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٢١] ، وقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١٠] ، فإنّ أهل الكتاب كفّار بلا خلاف ، وقد سماّهم عزوجل بذلك في قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [سورة البينة ، الآية : ١]. وتدلّ عليه بعض الروايات ، ففي صحيح زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، قال عليهالسلام : هي منسوخة بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).