المائدة آخر ما نزلت فهي ناسخة غير منسوخة ـ فعلى فرض صحّته ـ معارض بالأخبار الّتي تدلّ على النسخ.
وأمّا ما ذكر من آية الممتحنة ، فواردة في النساء المشركات اللواتي أسلم أزواجهن ، فإنّ ذلك سبب للنزول ، وقد ذكرنا مرارا أنّه لا يقيّد به إطلاق الحكم وعمومه ، وأنّ عمومها يشمل الكتابيات أيضا.
والحقّ أنّ المسألة لا تخلو عن إشكال ، لاختلاف الأقوال تبعا لاختلاف الروايات الواردة في نكاح الكتابيّات ، فالمشهور بين فقهائنا (قدس الله أسرارهم) الحرمة ابتداء لا استدامة ، وقال بعضهم بالحرمة في النكاح الدائم مطلقا دون المتعة ؛ عملا ببعض الروايات.
وذهب جمع آخر الى الجواز على كراهة ؛ لما رواه في الفقيه عن الصادق عليهالسلام : «في الرجل المؤمن يتزوّج النصرانيّة واليهوديّة ، قال عليهالسلام : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة والنصرانيّة؟! فقيل : يكون له الهوى ، فقال عليهالسلام : إن فعل فيمنعها من شرب الخمر ، وأكل الخنزير ، واعلم أنّ عليه في دينه غضاضة».
وبعض الفقهاء خصّ الجواز بحال الضرورة ؛ جمعا بين الأخبار ، ولما ورد عن الباقر عليهالسلام : «لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهوديّة ولا نصرانيّة وهو يجد مسلمة حرّة أو أمة» ، والمسألة محرّرة في كتب الفقه فراجع كتابنا (مهذب الأحكام).
ولكنّ الأمر الّذي لا يمكن إنكاره هو أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ حلّية نساء أهل الكتاب للمؤمنين إنّما يكون عن طريق النكاح الشرعي بالشروط المقرّرة ، ومنها الأجر والمهر من غير فرق بين النكاح الدائم والنكاح المنقطع ؛ لأنّه نكاح شرعا كما عرفت في بحث المتعة فراجع. وأمّا السفاح فهو محرّم على كلّ حال.
قوله تعالى : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).
الإيتاء الإعطاء ، وقد يطلق ويراد به التعهّد والالتزام ، ولعلّه أولى بالمقام كما هو معلوم ، والمراد من الأجور المهور ، وتقييد الحلّ بإتيانهن لتأكيد لزوم ذكرها في