المؤمنين ووجه مع الكافرين أعداء الدين ، فاتّصف بصفة النفاق الّتي حذّر الله تعالى المؤمنين منها وبيّن آثارها ونتائجها وأوعد عليها أشدّ الوعيد.
قوله تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ).
استفهام إنكاري يفيد التقريع والتوبيخ. والجملة تقرّر قبلها وتتضمّن التعليل أيضا.
والعزّة في المقام يراد بها الشرف ورفعة القدر والمنفعة والغلبة الّتي يتعزّزون بها ، ومنه قوله تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [سورة ص ، الآية : ٢٣] أي غلبني ، وفي حديث مدح الإسلام : «وأعزّ أركانه على من غالبه» ، أي حماها ممّن قصد هدمها ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله قال لعائشة : «هل تدرين لم كان قومك رفعوا باب الكعبة؟ قالت : لا ، قال : تعزّزا أن لا يدخلها إلّا من أرادوا» ، أي تشديدا على الناس وتكبّرا عليهم فيمنعونهم من الدخول فيها إلّا من أرادوا.
قوله تعالى : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً).
جواب يتضمّن الإنكار لما زعموه ، أي : أنّ العزّة مختصّة به عزوجل يعطيها لمن يشاء من عباده ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «كلّ عزّ ليس بالله فهو ذل». وقد تقدّم في قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٦] أنّ العزّة من فروع الملك وهو لله عزوجل وحده ، فهو المالك الحقيقي ، وغيره يملك بالاعتبار ، فمن أراد العزّة فلا بدّ أن يتعزّز بالله العظيم ، وقد كتب لأوليائه والمؤمنين العزّة كما قال عزوجل : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة المنافقون ، الآية : ٨] ، وقال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [سورة فاطر ، الآية : ١٠].
قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ).
خطاب عامّ لجميع الامة يتضمّن التوبيخ الشديد لما صدر من المنافقين ،