وتحذير للمؤمنين أن لا يقعدوا مع الكافرين والمنافقين وهم يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها ، وفي هذا التحذير من الحكمة ما لا يخفى ، فإنّه إذا لم ينته في أوّل الطريق فإنّ آخر مطافه الكفر الّذي لا ريب فيه.
والآية المباركة تشير الى ما ورد في قوله تعالى الّذي نزل بمكّة : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة الانعام ، الآية : ٦٨] ، والخطاب فيه وإن كان متوجّها إلى الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله إلّا أنّه يراد منه العموم.
كما أنّ الآية الشريفة الأخيرة لم تكن متضمّنة من التوبيخ الشديد ما تضمّنته الآية الكريمة الّتي في هذه السورة ؛ لعظم قبح أفعال المنافقين من موالاة أعداء الله تعالى مع تحقّق ما يمنعهم عن ذلك ، فكأنّ الآية المباركة تقرع أسماعهم بقبح أفعالهم وتقول : «أتتّخذونهم أولياء» والحال أنّه تعالى نزّل عليكم من قبل في هذا الكتاب العظيم (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) ، وهذا كاف في الانزجار عن مجالستهم فضلا عن تحقّق الموالاة والاعتزاز بالكافرين.
وإضافة الآيات الى اسم الجلالة لبيان خطرها وعظيم شأنها وتهويل أمر الكفر بها.
وهي تشمل الأحكام المقدّسة والمعارف الربوبيّة ومظاهر تجلّياته عزوجل ، كالرسول صلىاللهعليهوآله والأئمة الهداة عليهمالسلام ، كما ورد في الحديث. بل تشمل كلّ حقّ ، وفي الحديث عن الصادق والرضا عليهماالسلام : «إذا سمعت الرجل يجحد الحقّ ويكذب به ويقع في أهله ، فقم من عنده ولا تقاعده» ، وسيأتي في البحث الروائي نقل بعض الروايات إن شاء الله تعالى.
وعموم الآية المباركة لا بدّ وأن يقيد بما إذا لم يمكن ردّهم والإنكار عليهم وبيان الواقع لهم ، وإلّا فهو جائز بل واجب إذا احتمل التأثير ، فإنّ الامتناع عن