قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)؟ فقال : ترك العمل الّذي أقرّ به ، قلت : فما وضع ترك العمل حتّى يدعه أجمع؟ قال : الّذي يدع الصلاة متعمّدا لا من سكر ولا من علّة».
أقول : المراد من السكر النوم كما في صحيح محمد بن مسلم ، وهذا الحبط إمّا لأجل ترك الواجب العبادي بعد الإذعان بوجوبه ، فحبط به ثواب التزامه وعقيدته ، كما إذا ترك الصوم عن علم وعمد ، أو الصلاة كذلك ، فحبط بذلك ثواب تلك الأصول المحقّقة للإيمان ، وهذا مرتبة من الكفر كما تقدّم مكرّرا.
وأمّا جعل الإيمان نفس الفروع ، أي : أنّ الإيمان نفس الصلاة الّتي هي عمود الدين فتركها بغير عذر يكون كفرا بالإيمان ، خلاف سياق الآية الشريفة ، ولا يوافقه ظاهر الروايات المتقدّمة ، فهو أجنبي عن الحبط إلّا إذا رجع الى ما تقدّم.
والحبط تارة : من قبيل إبطال المقتضي للثواب من أوّل الأمر ، كمن نشأ منكرا للولاية مع العلم بأنّها أحد الأثافي في الإسلام.
واخرى : من قبيل الإهدار ، مثل ما يهدر ثواب عمله الثابت في صحيفته لما صدر عنه من بعض الأعمال السيئة بالعمد والاختيار.
وفي تفسير العياشي قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : أدنى ما يخرج به الرجل من الإسلام أن يرى الرأي بخلاف الحقّ فيقيم عليه ، قال تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) ، الّذي يكفر بالإيمان الّذي لا يعمل بما أمر الله به ولا يرضى به».
أقول : الخروج عن الإسلام له مراتب ، وإنّ بعض مراتبه يوجب القتل ، كالارتداد ، وبعضه الآخر ليس كذلك ، وإنّما يوجب الفسق في الدنيا ودخول النار في الآخرة ، ومن ذلك ما ورد في الرواية. وكذا الكلام في الكفر من أنّ له مراتب.
ثمّ إنّ الحبط على أقسام ثلاثة :
الأوّل : أن تكون الأعمال دنيويّة يقصد بها الدنيا ، فلا تغني في القيامة أصلا ، قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [سورة