إن قلت : إنّ في ارتكاب كثير من المعاصي تستلذّ النفس ، وتخمد فوران الشهوة الكامنة ولا أقلّ تستجاب الغرائز الجنسيّة ، وهذا المقدار من الزمان ولو كان قليلا يكفي في أن يكون العمل طيّبا وإن كان قد حرّمه الشارع.
قلت : ارتكاب المعاصي الّتي تستلذّ بها النفس على قسمين :
الأوّل : أنّ النفس تعلم بما يترتّب عليه من المفاسد في المستقبل ، ومع ذلك أنّها تقدّم على اللذّة الوقتيّة ، ففي الحقيقة أنّها لا تستلذّ حتّى حين ارتكاب المعصية لو تفطن وتذكر العواقب السيئة ، كمن يقتل شخصا لإخماد غضبه ويعلم بالعواقب الّتي ترد عليه من التأنيب في الضمير والقوانين الشرعيّة أو الوضعيّة ، فحينئذ لم تستلذ النفس وعلى فرضه لم تكن مستقيمة.
الثاني : لا يعلم بالعواقب ، فتارة معذور شرعا في جهله ، واخرى ليس بمعذور ، والأوّل يكون الاستلذاذ مؤقتا وشخصيّا مع قطع النظر عمّا يترتّب عليه من الأحكام الوضعيّة وحرمان النيل الى بعض المقامات ، والثاني مضافا الى أنّها ليست مستقيمة لا يكون ذلك في الواقع استلذاذ مع ما يرد عليها من العواقب السيئة.
الثانية : في الأدلّة الّتي استدلّوا بها على القاعدة ، فمن الكتاب : قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) وإطلاقه يشمل جميع أنواع الطيّبات وأقسامها ـ كما تقدّم ـ وإن كان الغالب فيها الأكل والشرب والنكاح.
وقال تعالى في أوصاف نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٧] ، فمقتضى الآية الشريفة حلّية كلّ ما ترغب إليها النفوس السليمة مطلقا ، إلّا ما خرج بالدليل المعتبر الشرعي ، كما في شرب بعض المتنجّسات مثلا.
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٨] ، والأمر فيه للإباحة والأكل من باب الغالب كما مرّ.